ما سبب الخسائر الهائلة التي خلفتها الفيضانات في إسبانيا؟
في الوقت الذي تواصل فيه فرق الطوارئ جهودها المكثفة للعثور على مفقودين في إسبانيا، تُطرح تساؤلات حول العوامل التي أدّت إلى فيضانات كارثية تسبّبت بمقتل ما لا يقل عن 217 شخصا، وفقدان المئات.
وحدثت هذه الكارثة، التي أُطلق عليها اسم ”فيضانات القرن“، بعدما أغرقت الأمطار الغزيرة مساحات واسعة من جنوب إسبانيا وشرقها، واجتاحت سيول جارفة من المياه الموحلة والطين كل ما يعترض طريقها.
ومع جرف السيول عددا كبيرا من السيارات في شوارع فالنسيا وتحوّل طرق القرى إلى أنهار جارية، تم استدعاء الجيش لدعم عمليات الإنقاذ المتواصلة، وسط أسوأ فيضانات شهدتها المنطقة على مدى 30 عاما.
أنظمة الحماية من الفيضانات
وفي أعقاب الكارثة، تزايدت مخاوف السكان من أن أنظمة الحماية من الفيضانات في إسبانيا، خاصة في منطقة فالنسيا وما حولها، باتت غير كافية للتعامل مع الأحوال الجوية القاسية، إذ أصبحت المنطقة معرّضة بشكل كبير لخطر الفيضانات المفاجئة، سواء بسبب صلابة تربتها، أو لتعرّضها المتزايد لظاهرة ”المنخفض الجوي البارد“، كما أن بنيتها التحتية أصبحت غير قادرة على توفير الحماية الكافية للسكان.
وما فاقم من حجم الكارثة أن خدمة الحماية المدنية الإسبانية لم تصدر تنبيها للسكان بوجوب عدم مغادرة منازلهم إلا قرابة الساعة الثامنة مساء، وهو وقت متأخر جدا بالنسبة إلى كثير من الناس الذين تقطّعت بهم السُبل على الطرقات.
وقد عبّر سكان المناطق المتضرّرة عن استيائهم من ضعف نظام الصرف الصحي الذي فشل في الصمود أمام الأمطار الغزيرة، لا سيما في البلدات الصغيرة التي تقع قرب الأنهار.
كما كشفت هذه الكارثة عن أزمة مواقف السيارات في إسبانيا، وذلك بسبب نقص المساحات المخصصة لركن السيارات، ما يدفع السائقين إلى ركن سياراتهم في صفوف إضافية موازية للصفوف الأصلية.
ولتسهيل حركة السيارات من الصف الداخلي، يتجنّب السائقون تفعيل الكابح اليدوي، ما يسمح بتحريك السيارات عند الحاجة، وقد فاقم تسامح السلطات الإسبانية مع هذه الظاهرة بـ”داعي الضرورة“ من التداعيات الكارثية للفيضانات.
المنخفض الجوي البارد
يُستخدم مصطلح ”المنخفض الجوي البارد“ في إسبانيا وفرنسا للإشارة إلى ظاهرة مناخية تتكرّر كل خريف وتؤدي إلى تساقط أمطار غزيرة.
وعُرفت هذه الظاهرة أيضا باسم ”المنخفض المعزول في مستويات عالية“، وقد أصبحت مألوفة منذ أعوام على الساحل المتوسطي لإسبانيا، غير أن علماء المناخ يعتقدون أن تغير المناخ يُسهم بصورة متزايدة في تفاقم شدّتها وآثارها.
وتحدث هذه الظاهرة عندما يصطدم هواء شديد البرودة بهواء دافئ ورطب فوق حوض البحر الأبيض المتوسط، ما يؤدي إلى تكاثر الهواء الساخن سريعا وتشكيل سُحب هائلة من الأمطار تتجمع بسرعة كبيرة، ويمكن لهذه السُحب المشبعة بالرطوبة البقاء فوق منطقة معينة لساعات طويلة، ما يزيد من قدرة الأمطار التي تحملها على تدمير المساحات التي تسقط عليها.
وتُعد منطقة شرق إسبانيا وجنوبها من المناطق الأكثر عرضة لهذه الظاهرة، وذلك بسبب موقعها الجغرافي بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.
تغير المناخ
وتُشير الوكالة الحكومية للأرصاد الجوية الإسبانية (أيميت) إلى أن إقليم فالنسيا قد شهد أقسى موجة برد في القرن الحالي قُبيل الفيضانات التي تعرّض لها مؤخرا، ومع ارتفاع درجة حرارة مياه البحر، فقد أدّى ذلك إلى هطول أمطار غزيرة متأثرا بتداعيات تغير المناخ على المنطقة.
وأضافت الوكالة أن التحوّل في درجات الحرارة لم يُؤد إلى تكثيف الظاهرة وهطول أمطار غزيرة فحسب، بل زاد أيضا من وتيرتها.
كما أن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف جعل التربة في فالنسيا أشدّ صلابة، ما قلّل من قدرتها على امتصاص كمية الأمطار الغزيرة التي هطلت عليها.
المصدر: وكالات