هل الاقتصاد الأخضر وهم أم حقيقة؟

Nov 04, 2024

الاقتصاد الأخضر هو نموذج اقتصادي يسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة مع الحفاظ على البيئة وخفض الآثار السلبية للتنمية الاقتصادية على استنزاف الموارد الطبيعية، إذ يتميز الاقتصاد الأخضر بتركيزه على الاستدامة البيئية، وزيادة كفاءة استخدام الموارد، والحد من انبعاثات الكربون، وتعزيز العدالة الاجتماعية.

ولتحقيق هذه الأهداف، يعتمد الاقتصاد الأخضر على مجموعة من العناصر الأساسية التي تُشكل الركائز الرئيسية له، مثل الطاقة المتجددة النظيفة، ورفع كفاءة استخدام المواد والأجهزة، والتنقل الأخضر المستدام، والزراعة المستدامة، وإدارة المياه المستدامة، وإقامة البنية التحتية المستدامة، والابتكار التكنولوجي البيئي، والسياسات والحوكمة البيئية المستقرة والمستدامة، ورفع الوعي البيئي المجتمعي، وغيرها.

والتحوّل نحو الاقتصاد الأخضر ليس مجرّد توجه بيئي، بل هو ضرورة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الاحتباس الحراري، إذ يؤدي التغير المناخي واستنزاف الموارد الطبيعية إلى عواقب جسيمة على الاقتصاد العالمي واستقرار المجتمعات واستدامتها. لذلك، يُعتبر الاقتصاد الأخضر وسيلة فعّالة للحد من التأثيرات السلبية للتغير المناخي، وتحقيق تنمية مستدامة تُحسن من جودة الحياة للأفراد، صحيا واقتصاديا، وتساهم في الحفاظ على البيئة معا.

فالاقتصاد الأخضر يُمثل فرصة حقيقية لتعزيز التنمية الشاملة وتحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة في المجتمعات، إذ أن التحوّل نحو هذا النموذج يمكن أن يسهم في تحسين نوعية الحياة للأفراد من خلال توفير بيئة صحية وآمنة، وذلك عن طريق تقليل التلوّث البيئي، وخفض انبعاثات الكربون، والحد من التدهور البيئي. وهذا النموذج لا يُقدم فوائد بيئية فحسب، بل يوفر أيضا أساسا قويا لتعزيز الاقتصاد وتحفيز خلق فرص عمل جديدة، لا سيما في القطاعات التي تعتمد على الطاقة المتجددة وإعادة التدوير.

وعلى سبيل المثال، الصين والهند دولتان تشهدان توسعا اقتصاديا كبيرا، ويساهم الاقتصاد الأخضر في فتح مجالات توظيف جديدة في قطاعات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وإعادة التدوير، والزراعة المستدامة، والبنية التحتية الخضراء، حيث أن هذه القطاعات توفر ملايين الوظائف في السوق المحلية للدولتين، ما يساهم في التخفيف من معدلات البطالة، التي تُعتبر تحديا كبيرا في العديد من الاقتصادات الناشئة.

وإلى جانب التأثيرات الإيجابية على سوق العمل، يُعزز الاقتصاد الأخضر من القدرة التنافسية لهذه الدول على الساحة العالمية، إذ تصبح منتجاتها وخدماتها أكثر ملاءمة للمعايير البيئية الدولية الخضراء، ما يفتح فرصا جديدة للتصدير ويُعزز مكانتها في الاقتصاد العالمي. وهذا التوجه لا يقتصر فقط على الدول النامية، بل يمتد ليشمل الدول المتقدمة التي تعتمد عليه لتعزيز النمو المستدام.

ويُركز الاقتصاد الأخضر على الاستدامة عبر تعزيز كفاءة استخدام الموارد الطبيعية والحد من النفايات، وذلك بالاتجاه نحو الاقتصاد الدائري ودعم أنماط إنتاج واستهلاك متجددة ومستدامة وواعية للمخاطر البيئية. ومن الناحية العملية، تسعى الدول التي تتبنى سياسات الاقتصاد الأخضر إلى تحقيق أهداف مثل تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، خاصة الفحم، وتحقيق الاعتماد الذاتي في الطاقة من خلال مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، إضافة إلى تشجيع الصناعات القائمة على الطاقة النظيفة كالهيدروجين الأخضر.

ويُعتبر التحوّل إلى الطاقة المتجددة من أهم دعائم الاقتصاد الأخضر، حيث تسعى الدول إلى خفض انبعاثات الكربون من خلال تبني مصادر الطاقة النظيفة مثل الشمس والرياح والطاقة المائية. فمثلا نجد الدنمارك، التي تعتبر من أكبر الدول إنتاجا للطاقة من الرياح، تسعى للوصول إلى نسبة 100% من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050. كما أن ألمانيا قد أطلقت سياسة التحول الطاقي التي تهدف إلى التخلص التدرجي من الفحم والطاقة النووية، وقد نجحت في توقيف كافة المفاعلات النووية عام 2023، وتوسيع الإنتاج من الطاقة الشمسية والرياح، ما أدّى إلى انخفاض كبير في انبعاثات الكربون.

وكذلك تبنّت كوريا الجنوبية استراتيجيات للاقتصاد الأخضر، حيث أطلقت العديد من البرامج لتحفيز الابتكار البيئي في الصناعات المختلفة ودعم الطاقة المتجددة. كما أن السويد هي واحدة من أكثر الدول ابتكارا في مجالات الاقتصاد الأخضر، حيث اعتمدت سياسات تدعم إعادة التدوير وتقليل النفايات، وتسعى للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2045.

إن التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر ليس مجرّد توجه بيئي، ولكنه ضرورة اقتصادية واجتماعية لمواجهة تحديات مثل تغير المناخ ونضوب الموارد الطبيعية، ويحتاج هذا التحوّل إلى التزام حكومي قوي، وتعاون عالمي، واستثمارات كبيرة في التكنولوجيا البيئية النظيفة، إضافة إلى توعية المجتمع وتغيير الأنماط الاستهلاكية، فتجربة العديد من الدول التي تبنّت سياسات الاقتصاد الأخضر أظهرت نتائج ملموسة تُوضح أن التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر يمكن أن يسهم في تحسين نوعية الحياة، ويحقق الاستدامة البيئية، ويعزز القدرة التنافسية على الصعيد العالمي، ويوفر فرص عمل جديدة، ما يجعل الاقتصاد الأخضر حقيقة يمكن انجازها إذا تضافرت الجهود على مستوى الأفراد والمؤسسات والدول والهيئات الدولية.

بقلم: أيوب أبودية – جريدة الرأي الأردنية