استقطاب سياسي لحماية الغابات

Oct 05, 2024

في 6 ديسمبر 2022، أصدر الاتحاد الأوروبي قانونا بحظر استيراد المنتجات التي تتم زراعتها بأراض أُزيلت منها الغابات بعد ديسمبر 2020، على اعتبار أن إزالة الغابات ثاني أهم أسباب تغير المناخ والاحتباس الحراري بعد احتراق الوقود الأحفوري.

القرار المزمع تطبيقه نهاية العام الجاري يهدف إلى حماية الغابات المهدّدة بالانقراض على كوكب الأرض من خلال تتبع سلاسل التوريد، ويتضمّن الحظر منتجات، أهمها الكاكاو والبن وفول الصويا وزيت النخيل والخشب ولحوم الأبقار والمطاط والجلود والورق والفحم، على أن تُقدم الجهات التي تُصدر منتجاتها إلى الاتحاد الأوروبي بيانا يُسمى ”بيان العناية الواجبة“، مفاده أن صادراتها لم تساهم في تدهور الغابات في أيّ مكان في العالم بعد 31 ديسمبر 2020.

وأصبح القانون، بعد أقل من عامين على صدوره، مثار استقطاب سياسي بين قوى اليسار التي تُؤيده انطلاقا من حماية البيئية ومكافحة التغير المناخي من خلال الحفاظ على غابات العالم، وبين قوى اليمين والأحزاب المحافظة التي تُحذر من أن تطبيق القانون سيؤدي إلى ارتفاع أسعار بعد المنتجات وتعطيل سلاسل التوريد وإضافة تعقيدات إدارية جديدة.

كما أصبح القانون مثار جدل سياسي بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، إذ ستتأثّر صادرات الولايات المتحدة من المنتجات الواردة في القانون، والتي تبلغ قيمتها بمليارات الدولارات، ما يضغط على ميزانها التجاري ويُقلل مداخيلها من التجارة الخارجية، وقد يتجاوز هذا الجدل المكاسب البيئية والمناخية المنشودة من تفعيل القرار، ليصطدم مع المصالح التجارية للدول المنتجة، خاصة النامية منها، ما أثار استياء دول في جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا، التي اعتبرت قرار الاتحاد الأوروبي ”تمييزي وعقابي“.

وكانت وزيرة التجارة الأميركية، جينا ريموندو، ووزير الزراعة، توماس فيلساك، والمبعوثة التجارية، كاثرين تاي، قد أرسلوا في 21 يونيو الماضي رسالة إلى الاتحاد الأوروبي يصفون فيها القانون بأنه يُشكل ”تحديات حرجة للمنتجين الأميركيين“، حيث بدا واضحا أن شركات الورق الأميركية ستكون من أكبر المتضرّرين، وكذلك الشركات المعنية بتصنيع منتجات يُستخدم فيها لُب الأخشاب، كما تتضرّر منه الدول المنتجة للقهوة، حيث سيفرض القرار الأوروبي قيودا على إمكانية وصول منتجاتها إلى أسواق دول الاتحاد الأوروبي.

مكمن الجدل يتمثل في صعوبة تتبع سلاسل التوريد عند التجارة في المحاصيل التي يتم إنتاجها من أراض الغابات، إذ من الصعوبة إثبات أن كل خطوة من سلسلة التوريد خالية من مكونات مرتبطة بإزالة الغابات. وقد كثّف المسؤولون الحكوميون ومجموعات الأعمال في جميع أنحاء العالم ضغوطهم في الأشهر الأخيرة لإقناع مسؤولي الاتحاد الأوروبي بتأجيل التطبيق الفعلي للقرار، وخلال الآونة الأخيرة طلب أعضاء مجلس الوزراء في البرازيل، والمدير العام لمنظمة التجارة العالمية، وحتى المستشار الألماني، أولاف شولز، من رئيس المفوضية الأوروبية تأجيل اللوائح الوشيكة المتعلقة بإزالة الغابات.

وتُسلط هذه الضجة الضوء على الصعوبات التي تواجه إحراز التقدم في مشكلة يتفق الجميع على أنها ملحة، وهي حماية سكّان العالم من تغير المناخ المدمّر، حيث يساهم التدمير الواسع النطاق للغابات في تراكم انبعاثات الكربون وارتفاع درجات الحرارة، ويزيد من تآكل التربة والفيضانات، ويُدمر موائل آلاف الحيوانات، ما يُعرضها لخطر الانقراض.

وعلى الرغم من صعوبة تتبع سلاسل التوريد، فإن لدى بعض البلدان بالفعل أنظمة مراقبة، فعلى سبيل المثال تقوم الأرجنتين وأوروغواي بتتبع تجارة الماشية منذ أكثر من 15 عاما، كما رسمت غانا، وهي أحد أكبر مصدري الكاكاو في العالم، خرائط لـ1.2 مليون مزرعة حتى الآن وقالت إنها تستطيع البدء في تتبع حبوب الكاكاو من المزارع إلى السفن الشهر المقبل.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي كان يأمل في أن يُحفز القانون دولا أخرى في العالم على اتخاذ خطوات مماثلة، كالولايات المتحدة والصين والهند، لكن حتى الآن لا تلوح في الأفق إمكانية تكرار الخطوة الأوروبية في فضاءات جيوسياسية جديدة.

بقلم: طه حسيب – الاتحاد