التطرف المناخي يُلحق الضرر بالزراعة العالمية

Sep 27, 2024

يُشكل التغير المناخي تهديدا كبيرا لإمدادات الغذاء العالمية والمحاصيل الرئيسية، مثل الكاكاو وزيت الزيتون والرز وفول الصويا والقمح، التي بدأ يتقلص إنتاجها بسبب الضغوط الناجمة عن أزمة المناخ، والتي ستُخلف بلا شك آثارا بعيدة المدى.

وتُعد هذه المحاصيل المذكورة آنفا من المواد الغذائية الأساسية في أسواق الغذاء العالمية، وقد تؤدي ندرتها إلى عدم الاستقرار الاقتصادي وانعدام الأمن الغذائي، فيما تُشير تقديرات الباحثين الزراعيين عالميا إلى أن كل درجة مئوية من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية من شأنها أن تُقلل المحاصيل العالمية للقمح بنسبة 6%، والأرز بنسبة 3.2%، والذرة بنسبة 7.4%، وفول الصويا بنسبة 3.1%.

ارتفاع أسعار الكاكاو

تضرّر غرب إفريقيا، المنتج الرئيسي للكاكاو، بشدّة بسبب الظروف الجوية الجافة التي تفاقمت بدافع من ظاهرة النينيو، وقد نقلت هذه الظاهرة المناخية أسعار الكاكاو إلى مستويات قياسية، ما أدخل المزارعين المحليين في ضائقة اقتصادية وأحدث تقلّبات في سوق الشوكولاتة العالمية وفرض ضغوط مالية على المزارعين الذين يعتمدون على الكاكاو كمصدر أساسي للدخل. وإضافة إلى ذلك، بات مصنعو الشوكولاتة في جميع أنحاء العالم يواجهون زيادة في كلف الإنتاج، والتي غالبا ما تنتقل إلى المستهلكين.

ويُكافح المزارعون في غرب إفريقيا حاليا للحفاظ على سُبل عيشهم مع تزايد وتيرة وشدّة الجفاف هناك، وهذا ما يدفع بعض الخبراء للقول إن زراعة الكاكاو قد تصبح غير قابلة للاستمرار.

انخفاض مخزونات زيت الزيتون

تُعاني منطقة البحر الأبيض المتوسط، المعروفة بزيت الزيتون، الجفاف الطويل وارتفاع درجات الحرارة، وقد أثّرت هذه الظروف القاسية بشدّة في إنتاج زيت الزيتون، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة وخفض المخزونات. وبطبيعة الحال، فإن التداعيات الاقتصادية لهذا الأمر كبيرة، إذ تُؤثر في كل من الاقتصادات المحلية التي تعتمد على زراعة الزيتون والمستهلكين العالميين الذين يواجهون أسعارا أعلى لهذا المنتج.

ومع دخول إنتاج زيت الزيتون في مرحلة حرجة وتعرّض أحد أكثر منتجات البحر الأبيض المتوسط شهرة للخطر، بدأت إيطاليا ودول أخرى باتباع استراتيجيات خاصة لإدارة المياه المستدامة، مثل الريّ بالتنقيط وحصاد مياه الأمطار، ما يمكن أن يساعد في الحفاظ على المياه وضمان إنتاج زيت الزيتون بطرق أكثر اتساقا.

تحديات الغذاء الأساسي لمليارات البشر

حتى الأرز، وهو الغذاء الأساسي لمليارات البشر، يتعرّض أيضا لتهديدات بسبب تغير المناخ، إذ أدّت الظروف المناخية المتغيرة، بما في ذلك الجفاف والفيضانات، إلى تعطيل إنتاج الأرز في بلدان رئيسية مثل إيطاليا والهند، وأسفرت هذه الاضطرابات عن تقلّب أسعار الأرز العالمية وزيادة انعدام الأمن الغذائي في المناطق التي تعتمد بصورة كبير عليه.

وعلى سبيل المثال، تزرع إيطاليا 50% من الأرز في الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن تنخفض محاصيلها من الأرز للعام الثاني على التوالي، ويتزامن ذلك مع تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الحبوب وغيرها من سلاسل إمدادات الغذاء على مستوى العالم.

ولمكافحة هذه التحديات، يعمل الباحثون حاليا على تطوير سلالات من الأرز مقاومة للفيضانات يمكنها تحمّل الظروف الجوية القاسية. وعلاوة على ذلك، فإن تحسين البنية الأساسية لإدارة الفيضانات، مثل بناء السدود وأنظمة الصرف الأفضل، من شأنه أن يحمي حقول الأرز من الفيضانات المدمّرة، وهذه التدابير حاسمة للحفاظ على إنتاج الأرز المستقر، وضمان الأمن الغذائي لمليارات البشر.

تعطّل سلاسل توريد فول الصويا

يُواجه إنتاج فول الصويا في الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية تحديات كبيرة بسبب تغير المناخ، ذلك أن أنماط الطقس غير المنتظمة، بما في ذلك درجات الحرارة القصوى وهطول الأمطار غير المنتظمة، أثّرت بشدّة في حجم المحاصيل، وأدّت بالتالي إلى تعطيل سلاسل التوريد والتأثير في الأسواق العالمية.

ووفقا لخدمة البحوث الاقتصادية، التابعة لوزارة الزراعة الأميركية، من المتوقع أن تنخفض محاصيل فول الصويا بنسبة 14.5% في الولايات المتحدة هذا العام، وستكون لذلك تبعات كبيرة على الولايات الواقعة في الوسط والغرب الأوسط التي تُكافح بالفعل اقتصاديا.

أما الآثار الاقتصادية لتعطّل سلاسل توريد فول الصويا فهي عميقة بحق، إذ أن فول الصويا يُعد مكونا رئيسيا في علف الماشية وإنتاج الوقود الحيوي، ولمعالجة هذه القضايا تتبنى بعض الدول ممارسات زراعية ذكية مناخيا، مثل الزراعة من دون حرث وزراعة المحاصيل المغطاة، والتي تعمل على تحسين صحة التربة وزيادة قدرتها على الصمود في مواجهة الضغوط المناخية، ما يضمن إمدادات أكثر استقرارا من فول الصويا.

مستقبل قاتم للقمح

وفي سياق متصل، أظهرت نماذج محاكاة المحاصيل الرائدة التي استخدمها المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح (CIMMYT) احتمالات انخفاض كبير في محاصيل القمح بحلول عام 2050 في إفريقيا وجنوب آسيا.

وتوقع النموذج انخفاضا متوسطا في محاصيل القمح بنسبة 15% في البلدان الإفريقية، و16% في دول جنوب آسيا بحلول منتصف القرن، يُضاف كل ذلك إلى انخفاض إنتاج القمح العالمي بنسبة 1.9%.

وتأثّرت الصين العام الماضي بهطول أمطار غزيرة غير عادية ورطوبة عالية في مقاطعة خنان، تضرّر بعدها ملايين الأطنان من القمح قبل الحصاد مباشرة. وفي الوقت نفسه، تأثّر محصول القمح الأحمر الشتوي القاسي في الولايات المتحدة بالجفاف المستمر، خصوصا في كانساس، وهي ولاية رائدة في إنتاج القمح، إذ انخفض الإنتاج بنسبة 20%.

وإضافة إلى المشكلات الحالية مع محاصيل القمح في الصين والولايات المتحدة، شهدت الأرجنتين، أكبر منتج للقمح في أميركا الجنوبية، انخفاضا حادا في إنتاج القمح بسبب الجفاف الشديد، كما شهدت أوكرانيا، وهي واحد من أكبر 10 منتجين للقمح عالميا، انخفاضا كبيرا في الإنتاج والصادرات جرّاء الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير 2022.

المصدر: وكالات