الاقتصاد الحيوي المستدام والقدرة على الإنقاذ

Sep 23, 2024

يُواصل الاقتصاد العالمي الإفراط في استغلال الطبيعة على الرغم من اعتماده الكامل عليها، وهذه الممارسة تُعد غير مستدامة، خاصة في ضوء تغير المناخ المتصاعد على نحو خطير. ومع تقدير فجوة تمويل التنوع البيولوجي بنحو 700 إلى 900 مليار دولار سنويا، تتنامى الدعوات للاستثمار في الطبيعة قبيل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (مؤتمر الأطراف الـ16) في أكتوبر المقبل، في مدينة كالي في كولومبيا، والذي يحمل عنوان ”استثمروا في الطبيعة“.

ولكن هذه الجهود التي تنطوي على نوايا حسنة تَغفل عن الصورة الكبرى، فالواقع أن الاستثمار في الطبيعة لن ينقذها ما دام الاقتصاد العالمي يستهلك موارد طبيعية أكثر من القدر الذي يستطيع الكوكب تحمّله، وبدلا من ذلك، نحتاج إلى اقتصاد عالمي مُجَدِّد يحافظ على الطبيعة ويستعيدها، وبذلك يساعد العالم على تحقيق أهداف المناخ.

وباختصار، يجب أن نعمل نحو اقتصاد حيوي مستدام وعادل، يتألف من مجموعة واسعة من القطاعات والأنشطة التجارية، وأكثر هذه الأنشطة وضوحا هي تجديد الممارسات الزراعية، وصيد الأسماك، وزراعة وصيانة الغابات، وتربية الأحياء المائية، فضلا عن طرق عديدة للجمع بين التكنولوجيا والإنتاج القائم على البر والبحر، من البلاستيك المصنوع من مواد حيوية إلى الطاقة الحيوية والمستحضرات الصيدلانية والأدوية الحيوية.

ووفقا لتقديرات منتدى الاقتصاد الحيوي العالمي، تبلغ قيمة الاقتصاد الحيوي العالمي الحالية نحو 4 تريليون دولار، في حين تُشير بعض التوقعات إلى إمكانية ارتفاع هذا الرقم إلى 30 تريليون دولار أو أكثر بحلول 2050، ولكن الاقتصاد الحيوي ليس مستداما أو عادلا بشكل تلقائي عفوي، فهو قد يُدمر الطبيعة من خلال الصيد الجائر وإزالة الغابات على سبيل المثال.

وتولّت البرازيل، بدورها الحالي في رئاسة مجموعة العشرين، زمام المبادرة في تعزيز الاقتصاد الحيوي العادل المستدام، ويشمل هذا إنشاء مبادرة مجموعة العشرين بشأن الاقتصاد الحيوي، التي حدّدت 10 مبادئ طوعية رفيعة المستوى من شأنها أن تساعد صنّاع السياسات على رعاية الاقتصاد الحيوي الذي يُعزز الإدماج الاجتماعي، ويُوفر فرص العمل المستدامة، ويُسرع التقدم نحو تحقيق أهداف المناخ.

كما قد يساعد إنشاء معايير قياس ومحاسبية مشتركة لرأس المال الطبيعي وكالات، مثل الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ومنظمة التجارة العالمية، على تحسين ترتيبات التجارة البيولوجية ومعالجة مشكلات إعانات الدعم، وقد يساعد تسعير الطبيعة على دفع عجلة الاستثمار من خلال زيادة القيمة الاقتصادية الكامنة في الاقتصاد الحيوي المستدام، حيث أن وضع قواعد التجارة والاستثمار، ومعالجة النقص في البيانات، وضمان التحليل المنهجي أمر بالغ الأهمية لتطوير اقتصاد حيوي قوي. والمجموعات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي في وضع جيد يسمح لها بالبدء في تنفيذ هذه التغييرات.

وبوسع مؤسسات تمويل التنمية أن تضطلع بدور مهم في الجنوب العالمي، ففي 2024، على سبيل المثال، تعهّدت مؤسسة التمويل الدولي بتقديم 56 مليار دولار لشركات ومؤسسات مالية خاصة في البلدان النامية، ولكن عددا كبيرا من هذه المؤسسات تفتقر إلى استراتيجية لإدارة الاقتصاد الحيوي أو حتى التركيز عليه، على الرغم من أن الاستثمار في الاستخدام العادل والمستدام والحفاظ على الموارد الطبيعية وتجديدها من الممكن أن يحمي التنوع البيولوجي، ويُعزز العمل المناخي، ويُولد فرص عمل لائقة، ويُسرع من تبني التكنولوجيا النظيفة. ويتطلب تحقيق هذه الفرص أكثر من استثمار واحد في كل مرة، فلن يتسنّى لنا بناء الاقتصاد الحيوي المستدام والعادل الذي نحتاجه إليه إلا من خلال الجمع بين الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية والتعاون الدولي.

بقلم: سيمون زاديك – الاقتصادية