الخطر المناخي الذي نتجاهله

Sep 17, 2024

شهد كوكبنا أكثر صيف حرارة على الإطلاق، ويبدو أن عام 2024 سيصبح أيضا أكثر الأعوام حرارة منذ بدء تسجيل البيانات.

إننا نرى تأثير هذا الاحترار بآلاف الطرق، إذ شهدت مدينة فينيكس هذا العام 100 يوم بدرجة حرارة 100 فهرنهايت أو أكثر، وتقلّص الجليد في القطب الشمالي إلى ما دون المتوسط، وفي بعض الأماكن، سقطت القرود والخفافيش من الأشجار بسبب الحرارة.

إننا نميل إلى التركيز على المخاطر الكارثية المرتبطة بالتغير المناخي، مثل ذوبان القمم الجليدية القطبية، وارتفاع مستويات البحار بشكل كبير، وتحوّل كوكبنا إلى مكان غير صالح للسكن، وهذه المخاطر حقيقية، ولكن على مدى العقود القليلة الماضية، جمعنا أدلة تُشير إلى أن تأثيرات الحرارة الأكثر ارتباطا بمعيشتنا أصبحت بالفعل واقعا يُلامس حياتنا اليومية. وعلى سبيل المثال، المزيد من الناس يسقطون من السلالم في الأيام الحارّة مقارنة بالأيام الباردة، كما أنهم أكثر عرضة للانتحار أو قتل شخص آخر.

وفي الوقت نفسه، فإن تحصيل الطلاب للدروس يقل في الأيام الحارّة، ويكون أداؤهم أسوأ في الامتحانات. وبعد الكوارث المناخية، يكون الطلاب أقل احتمالا للالتحاق بالجامعة. بعبارة أخرى، فإن الطقس القاسي لا يضرّ بالممتلكات فحسب، بل يُلحق أضرارا أيضا برأس المال البشري.

وبحسب الخبير الاقتصادي بجامعة بنسلفانيا، جيسونج بارك، في كتابه الحرق البطيء، ”قد يكون التصور الكارثي المعتاد للتغير المناخي يفتقر إلى بعض أهم ملامح القصة الحقيقية للتغير المناخي“.

ويُجادل بارك بشكل مقنع بأننا ركزنا كثيرا على السيناريوهات المروعة، ولم نركز بما فيه الكفاية على العواقب الأخرى للتغير المناخي.

ويُشير بارك إلى أنه إذا لم نفعل المزيد لمواجهة تأثير درجات الحرارة على التعليم، فإن ارتفاع درجات الحرارة قد يُقلل من تعلّم الطلاب في الولايات المتحدة بحوالي 10% على مدار العام، ونظرا لأن الطلاب السّود واللاتينيين يعيشون بشكل غير متناسب في مناطق أكثر حرارة في البلاد، ويلتحقون بمدارس بها تكييف هواء أقل، فإن ارتفاع درجات الحرارة سيزيد من فجوة التعليم.

ثم إن هناك حرائق الغابات، حيث نركز على الأضرار الفورية التي تُسببها الحرائق، مثل وفاة 20 إلى 30 شخصا في أميركا سنويا بسبب حرائق الغابات، ولكن الحرائق المرتبطة بالتغير المناخي تُعرّض المزيد من الناس للدخان الذي قد يتسبّب في وفاة عدد أكبر بكثير.

ويرتبط تلوّث الهواء بالفعل بما يُقدر بـ7 مليون حالة وفاة عالميا كل عام، وذلك من خلال المساهمة في أمراض القلب والجهاز التنفسي والسرطان. ويُقدر الباحثون أن دخان حرائق الغابات في الولايات المتحدة يتسبّب في وفاة 5000 إلى 15000 شخص سنويا، ومع ذلك لا تحظى هذه الوفيات بالاهتمام لأننا لا نرى ”لقطات درامية“ لها كتلك التي نرى للنيران التي تُثير مخاوفنا.

وقد يُؤثر التغير المناخي أيضا على معدلات الجريمة، حيث وجد الباحثون أن جرائم القتل والاعتداءات تكون أكثر شيوعا عندما ترتفع درجات الحرارة، وقد قدّر أحد الباحثين أن ارتفاع درجات الحرارة بسبب التغير المناخي قد يؤدي إلى 1.6 مليون حالة إضافية من الاعتداءات في الولايات المتحدة خلال هذا القرن.

ونعلم أيضا أن درجات الحرارة المرتفعة تُؤثر على إنتاجيتنا، إذ وجدت دراسة بريطانية أن الضابط البحري يرتكب في المتوسط 11 إلى 12 خطأ في الساعة عند ترجمة شفرة مورس عندما تكون درجة الحرارة بين 85 و90 درجة فهرنهايت، ولكن يرتكب 95 خطأ في الساعة عندما ترتفع درجة الحرارة إلى 105 درجات.

لقد كتبتُ عددا من المقالات المروعة حول المناخ، من انفجارات الميثان إلى تحمّض البحار الذي يُذيب بعض العوالق النباتية التي تُشكل أساس السلسلة الغذائية، ولكن السيناريوهات الكارثية لم تُعيدنا إلى رشدنا، وإذا ما سمحنا باستمرار الاحترار العالمي، فسيكون المزيد من الناس ضحايا للجريمة، وسيقل تعلّم الأطفال، وسينزلق المزيد منا عن السلالم.

بقلم: نيكولاس كريستوف، ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز – الاتحاد