كيف يؤثر ارتفاع درجات الحرارة سلبا على صحتك؟

Sep 05, 2024

غالبا ما نعتمد على معيارين رئيسيين عند تقييم تأثير أزمة المناخ، وهما الوفيات البشرية والخسائر الاقتصادية، وبالرغم من أن هذه البيانات مفيدة للغاية لفهم المخاطر التي نواجهها إذا فشلنا في الحدّ من الانبعاثات الكربونية، إلا أنها لا تعكس سوى جزء من المعاناة التي ستسبّبها الظروف الجوية القاسية وانهيار النظم البيئية.

وأظهرت دراسة حديثة حول الوفيات المرتبطة بدرجات الحرارة أن البرد القارس في أوروبا أشد فتكا من الحر، إذ كان عدد الوفيات المرتبطة بالبرد يفوق تلك المرتبطة بالحرّ بثمانية أضعاف، وذلك ما بين عامي 1991 و2020، ويُتوقع تغير هذا التوازن في القارة بأكملها مع استمرار احترار كوكبنا.

وإذا ما ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية، وهو ما قد يحدث بموجب سياسات المناخ الحالية، فإن أعداد الوفيات في هذه الحالة قد تتضاعف ثلاث مرات بحلول في عام 2100، لتصل إلى حوالي 129 ألف حالة وفاة سنويا من نحو 44 ألف حاليا. ومع ذلك، فإن الوفيات لا تمثل سوى جزء محدود من الأعباء الصحية الناجمة عن الحرارة الشديدة.

وعلّقت مادلين تومسون، رئيسة قسم تأثيرات المناخ والتكيف في مؤسسة ويلكوم (Wellcome) على الدراسة، قائلة إن ”الحرارة الشديدة تقتل، لكنها تُسبب أيضا أضرارا صحية خطيرة، وهذه الأضرار لن تقتصر على كبار السن فحسب، بل ستطال أيضا الفئات الأصغر سنا وسائر أفراد المجتمع“.

كما تُسلط الأبحاث الضوء بشكل متزايد على تأثير الحرارة المفرطة على النساء الحوامل، إذ ارتفعت مخاطر إصابتهن بالإنهاك الحراري وضربة الشمس في ظل الحرارة الشديدة، بل ارتبط الأمر أيضا بنتائج صحية سلبية لكل من الأم والطفل، مثل زيادة حالات الإجهاض ووفيات الأجنة، والولادات المبكرة والعيوب الخلقية، بجانب الإصابة بسكري الحمل، وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، وتسمم الحمل.

وفي الوقت نفسه، بدأنا أيضا نفهم بشكل أفضل كيف يُؤثر ارتفاع درجات الحرارة سلبا على الصحة العقلية بشكل عام، إذ أن الحرارة لا تجعلنا جميعا نشعر بالتعب والانفعال فحسب، بل تزيد أيضا من تفاقم ”اضطرابات المزاج الشائعة مثل القلق والاكتئاب، وكذلك حالات نادرة مثل الفصام وإيذاء النفس“.

ومن المرجّح أن نكتشف مزيدا من الروابط بين الحرارة والصحة مع تفاقم الاحتباس الحراري العالمي، إذ يُعتقد أن وباء الفشل الكلوي الغامض في سريلانكا ناجم على الأرجح عن التعرّض للحرارة الشديدة والجفاف والمياه الجوفية الملوّثة بالمبيدات الحشرية.

ففي بعض المناطق الساخنة هناك، يُعاني واحد من كل خمسة من السكّان من تلف حادّ أو فشل كلوي، وغالبا ما تتطوّر الحالة سريعا. كما لوحظ انتشار وباء مماثل بين العمّال المهاجرين العائدين من بعض دول الخليج، حيث غادر الشباب أوطانهم بصحة جيدة وعادوا مصابين بفشل كلوي بعد تعرّضهم للحرارة الشديدة أثناء العمل.

وأصبحت الآثار الصحية الناجمة عن الحرارة الشديدة منتشرة بيننا بالفعل، وتمتد إلى ما هو أبعد من الوفيات المأساوية. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوات معرفية هائلة تُعيق فهمنا الكامل لكل شيء، بدءا من الآليات البيولوجية الكامنة وراء الأضرار المرتبطة بالحرارة وصولا إلى الحلول الفعالة.

وأوضح العديد من العلماء صعوبة الحصول على التمويل اللازم لمثل هذه الأبحاث نظرا لطبيعتها متعدّدة التخصّصات، إذ تُشير مؤسسة روكفلر، وهي منظمة خيرية تدعم الأبحاث الطبية، إلى أن 2% فقط من تمويل التكيّف و0.5% من إجمالي تمويل المناخ يُخصص لتحسين النتائج الصحية، وهذا الوضع يستدعي التغيير، ففي النهاية صحتنا هي ثروتنا، وتغير المناخ يستنزفها بالفعل.

بقلم: لارا ويليامز – بلومبرغ