ما أعلى درجة حرارة يمكن للإنسان تحمّلها؟

Sep 04, 2024

شهرا بعد الآخر، تُسجل درجات الحرارة العالمية أرقاما قياسية جديدة، ومع استمرار ارتفاعها، بات فهم حدود بقاء الإنسان في درجات الحرارة الشديدة أكثر أهمية من أي وقت مضى.

ويُعيد عالم وظائف الأعضاء، أولي جاي، وزملاؤه في جامعة سيدني بأستراليا تعريف هذه الحدود باستخدام ما يُسميها ”غرفة مناخ“ مبتكرة، مُصممة لمحاكاة موجات الحرّ الحالية والمستقبلية.

داخل غرفة المناخ

في عام 2019، بدأ جاي في بناء غرفة مناخية متطوّرة، وبعد عام ونصف من البناء واستثمار 1.3 مليون دولار أميركي، تم نقلها إلى جامعة سيدني بأستراليا.

وتلعب هذه الغرفة الحديثة اليوم دورا رئيسيا في الأبحاث التي تستكشف الظروف التي تُصبح فيها الحرارة غير محتملة بالنسبة للإنسان، ويستخدمها جاي وفريقه لفهم استراتيجيات التبريد التي تعمل بشكل أفضل للحدّ من المخاطر الصحية الناجمة عن التعرّض للحرارة.

ويمكن للباحثين ضبط درجة الحرارة الخاصة بالغرفة (رفعها أو خفضها بمقدار 1 درجة مئوية كل دقيقة)، والتحكم في سرعة الرياح والتعرّض لأشعة الشمس بدقة، ويمكنهم أيضا ضبط الرطوبة، وهو متغير رئيسي يُؤثر على حرارة الجسم، ما يُوفر سيطرة على الظروف التجريبية.

ويخضع المشاركون لاختبارات صارمة لمراقبة استجاباتهم الفسيولوجية، وتُرسل أجهزة الاستشعار المرفقة بهم معلومات إلى غرفة التحكم المجاورة، التي تعالج البيانات حول المتغيرات، بما في ذلك معدل ضربات القلب والتنفس والتعرّق ودرجة حرارة الجسم، ويمكن للمشاركين في التجربة تناول الطعام والنوم وممارسة الرياضة داخل الغرفة، ويُمرر الباحثون لهم الطعام والأشياء الأخرى من خلال فتحة.

تفاوت حدود البقاء في الحرارة الشديدة

وغالبا ما يستخدم الباحثون مقاييس مثل مؤشر الحرارة أو مؤشر ”درجة حرارة البصيلة الرطبة الكروية“ أو درجة حرارة اللمبة (المصباح) الرطبة، للنظر في كيفية تفاعل الحرارة والرطوبة المفرطة، وبهذه الطريقة يُمكنهم التركيز على رقم واحد لتحديد الظروف غير الصالحة للعيش.

ويأخذ مؤشر الحرارة في الاعتبار كلا من درجة حرارة الهواء والرطوبة النسبية، في محاولة لتحديد مقدار الحرارة التي يُشعر بها، ودرجة حرارة المصباح الرطب هي حرفيا ما يقيسه مقياس الحرارة إذا تم لف قطعة قماش مُبلّلة حوله، ويمكن لدرجة حرارة المصباح الرطب تقدير درجة حرارة بشرتك إذا كنت تتعرّق باستمرار، لذلك غالبا ما تستخدم لتقدير كيفية أداء الأشخاص في درجات حرارة شديدة.

وأشارت النماذج السابقة إلى أن درجة حرارة المصباح الرطب البالغة 35 درجة مئوية تُمثل الحدّ الأقصى الذي يمكن للإنسان تحمّله، حتى الشاب الذي يتمتع بصحة جيدة معرّض لخطر الموت بعد 6 ساعات عند هذه العتبة، حيث ترتفع درجة حرارة الجسم الأساسية بشكل لا يمكن السيطرة عليه.

وتمثل درجة حرارة المصباح الرطب هذه الحدّ الأقصى الذي يمكن للإنسان تحمّله، وفوق ذلك، لن يتمكن جسمك من فقدان الحرارة للبيئة بكفاءة كافية للحفاظ على درجة حرارته الأساسية، وهذا لا يعني أن الحرارة ستقتلك على الفور، ولكن إذا لم تتمكن من التبريد بسرعة، فسيبدأ تلف المخ والأعضاء.

وتختلف الظروف التي قد تؤدي إلى درجة الحرارة هذه بشكل كبير، ففي غياب الرياح والسماء المشمسة، فإن المنطقة التي تبلغ نسبة الرطوبة فيها 50% ستصل إلى درجة حرارة المصباح الرطب غير الصالحة للعيش عند حوالي 43 درجة مئوية، في حين أنه في الهواء الجاف يجب أن تتجاوز درجات حرارة المصباح الرطب 54 درجة مئوية للوصول إلى هذا الحدّ.

ولهذا السبب، تعرّضت هذه النماذج لانتقادات لاعتمادها على افتراضات نظرية بدلا من البيانات التجريبية، فقد تعاملت مع الجسم البشري باعتباره كائنا لا يتعرّق أو يتحرك، ما يجعل النتيجة أقل قابلية للتطبيق في العالم الحقيقي. ومع ذلك، تبنّتها هيئات الصحة العامة التي لا حصر لها، مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

وفي حين يتفق معظم الباحثين على أن درجة حرارة 35 درجة مئوية غير صالحة للعيش بالنسبة لمعظم البشر، فإن الواقع هو أن الظروف الأقل تطرفا يمكن أن تكون قاتلة أيضا، فقد وصلنا إلى درجات حرارة المصباح الرطب هذه على الأرض بضع مرات فقط، لكن الحرارة تقتل الناس في جميع أنحاء العالم كل عام.

وتتوقّع بعض نماذج المناخ بأننا سنبدأ في الوصول إلى درجات حرارة المصباح الرطب أعلى من 35 درجة مئوية بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، ويقول باحثون إننا وصلنا بالفعل إلى هذه النقطة.

نتائج مُغايرة

وفي حين تُركز معظم نماذج استجابة الجسم للحرارة على الشباب الأصحاء في الظلّ، قدّر نموذج جاي وفريقه حدود البقاء في الظلّ وأشعة الشمس عبر مختلف الأعمار وأثناء الراحة أو ممارسة الرياضة.

ويقوم فريق جاي الآن باختبار نموذج رياضي لكيفية تعامل الجسم مع الحرارة الشديدة، والذي نشره في 2023، ويستخدم النموذج بيانات من دراسات قامت بقياس قدرة التعرّق لدى كبار السن والشباب.

وتُظهر حدود البقاء القائمة على الفسيولوجيا في هذا النموذج تقديرا أقل بكثير للمخاطر، ومن بين النتائج تقدير حدود البقاء على قيد الحياة في درجات حرارة الجسم الرطبة بين 26 درجة مئوية و34 درجة مئوية للشباب، و21 درجة مئوية إلى 34 درجة مئوية لكبار السن.

ومن غير المستغرب أن يُشير النموذج إلى أن حدود البقاء على قيد الحياة تكون أقل عندما يتعرّض الناس للشمس مقارنة بالظلّ، وكذلك للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما، مقارنة بمن تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاما.

وعلى الرغم من نقاط قوة هذا النموذج فإنه بحاجة إلى مزيد من الاختبار على البشر، وللقيام بذلك، يقوم فريق جاي أولا بتعريض الشباب الأصحاء في غرفة المناخ لمجموعات من درجات الحرارة والرطوبة، مع مراقبة المتغيرات مثل درجة حرارة الجسم الأساسية ومعدل ضربات القلب والتعرّق.

وفي التجارب المستقبلية، يُخطط الباحثون لاختبار استجابة الجسم للحرارة في الظروف المظلّلة والمضاءة بأشعة الشمس عبر مختلف الأعمار وأثناء التمرين، ويسعى جاي للحصول على تمويل لإجراء تجربة عشوائية محكومة لاستراتيجيات التبريد في الهند خلال موسم الحرّ.

كما يُخطط فريق جاي لتوسيع أبحاثه لتقييم تأثير الحرارة على الفئات السكّانية الأكثر عرضة للخطر في درجات الحرارة المرتفعة، بما في ذلك النساء الحوامل، لصياغة استراتيجيات أفضل للصحة العامة، وتوفير إرشادات قابلة للتنفيذ وحماية صحة الناس.

المصدر: وكالات