الطاقة الخضراء تخسر معركة تنظيف الهيدروجين

Aug 30, 2024

يبدو أن الطاقة النظيفة بدأت تتخلف وراء الوقود الأحفوري في سباق تنظيف الصناعة من التلوّث والانبعاثات الكربونية، وهذا يرجع إلى أننا علّقنا آمالا كبيرة على آفاق الهيدروجين.

نظريا، يمكن أن يكون العنصر الأكثر وفرة في الكون بمثابة مفتاح لحل مشكلة المناخ، حيث يمكنه أن يفتح الباب أمام طرق لإنتاج الأسمدة والصلب والبتروكيماويات والأسمنت من دون انبعاثات كربونية.

مثل هذا التحوّل سيكون له تأثير كبير، خاصة أن حوالي ربع التلوّث الكربوني في العالم يأتي من مداخن المصانع، وإذا تمكّنا من تطوير عملية واحدة تُخفّض الانبعاثات الكربونية في كل هذه الصناعات، سنكون قد اكتشفنا تكنولوجيا تحوّلية مثل الطاقة الشمسية ومزارع الرياح والسيارات الكهربائية.

لكن لن يكون ذلك ممكنا مع الهيدروجين بشكله الذي نعرفه الآن. ففي الوقت الحالي، يستحوذ الهيدروجين الأخضر، المُنتج من تقسيم الماء إلى هيدروجين وأكسجين باستخدام الكهرباء، على أقل من طن متري واحد من كل ألف طن متري من الهيدروجين المستخدم. أما الغالبية العظمى فهي الهيدروجين الرمادي، والذي يُصنع من الغاز المُسال أو النفط أو الفحم، ما يضخ كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في العملية.

ومع ذلك، كانت النظرة المتفائلة تعتمد على انخفاض تكلفة أجهزة التحليل الكهربائي اللازمة لتقسيم الماء، والطاقة النظيفة المطلوبة لتشغيلها، بالسرعة نفسها التي شهدناها مع التقنيات الخضراء الأخرى، ولكن من المؤسف أن العكس هو ما يحدث، وفي غياب التدخلات الضرورية، تكتسب النسخ الأكثر تلويثا من الهيدروجين مساحات أكبر.

لنُلق نظرة أولا على ما حدث مع التكاليف، فقد كان التضخم المرتفع وأسعار الفائدة في الأعوام القليلة الماضية يُشكّلان تحديا لكثير من التقنيات النظيفة، وبينما وصلت طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات والسيارات الكهربائية إلى مستوى يمكنها من تحسين الكفاءة والحفاظ على انخفاض الأسعار، لم يكن الحال كذلك مع الهيدروجين الأخضر.

وبعيدا عن الانخفاض من حوالي 3 دولارات لكل كيلوغرام إلى هدف الحكومة الأميركية البالغ دولار واحد لكل كيلوغرام، وهو سعر قد يُقوّض أسعار الغاز المُسال، فقد ارتفعت التكاليف في الولايات المتحدة إلى نحو 5 دولارات لكل كيلوغرام، وفقا لدراسة أجراها مجلس الهيدروجين (Hydrogen Council) وماكينزي (McKinsey) العام الماضي، بل حتى الحوافز السخيّة في قانون الحدّ من التضخم، الذي قدمه الرئيس جو بايدن، لا تكفي لجعل هذا السعر تنافسيا.

وشهدنا صورة مماثلة في الاتحاد الأوروبي، فقد حاولت بروكسل إنشاء بنك هيدروجين لبناء سلسلة إمدادات للهيدروجين الأخضر، لكن المزاد الأول للمنشأة في أبريل الماضي أسفر عن فوز عروض بتكلفة تتراوح بين 5.8 يورو (6.34 دولار) و8.8 يورو لكل كيلوغرام، وفقا لتقرير بلومبرغ، ورأينا النتيجة نفسها في مزاد للأمونيا الشهر الماضي من قبل مؤسسة إتش 2 غلوبال (H2 Global Foundation)، وهي مؤسسة مماثلة في ألمانيا، حيث جاءت العروض الأقل تكلفة بأكثر من ضعف سعر الأمونيا المصنوعة من الوقود الأحفوري.

ولم تقف شركات النفط الكبرى مكتوفة الأيدي أيضا، خاصة أن هناك طريقة بديلة لتقليل البصمة المناخية للهيدروجين وهي التقاط ثاني أكسيد الكربون وضخه في آبار النفط المستنفدة لتعزيز استخراج النفط.

كما أن ما يُعرف بـ”الهيدروجين الأزرق“ يُقلّل انبعاثات الهيدروجين بنسبة 60% إلى 70% فقط، لكنه قد يكون جذابا للمستهلكين الذين يرغبون في شيء أنظف من الهيدروجين الرمادي دون تكبّد تكاليف الهيدروجين الأخضر، وكذلك يجذب صناعة النفط التقليدية، التي لديها حاليا أموال أكثر بكثير لتطوير التكنولوجيا الجديدة مقارنة بشركات الهيدروجين الأخضر الناشئة المتعطشة للمال.

يبدو أن الهيدروجين الأزرق هو الذي يتصدر المشهد في الوقت الحالي. وتُشير بلومبرغ إلى أن أكثر من نصف الهيدروجين الأخضر المتوقع تشغيله بحلول 2030 لا يزال في المراحل الأولى من التطوير، وبالتالي يمكن إلغاؤه بسهولة، كما أن حوالي نصف إمدادات الهيدروجين الأزرق جرت الموافقة عليها بحيث يمكن بدء بناء منشآتها، مقارنة بنسبة 15% فقط من مشاريع الهيدروجين الأخضر.

ولا شك أن الهيدروجين الأزرق أفضل من الرمادي، لكن النوع الأخضر يبدو حاليا أنه بالكاد سيُلبّي الطلب الحالي، ناهيك عن الوفاء بوعده بإزالة الكربون من مجموعة إضافية من القطاعات.

ولن يكون إصلاح الأمر سهلا، فقد ركّزت السياسات الحكومية الحالية على تقديم الدعم للمنتجين بدلا من إلزام المستهلكين الرئيسيين باستخدامه، وهو عكس الدعم من جانب الطلب الذي أطلق طفرة الطاقة المتجددة في عقد 2000.

وربما تؤدي التوترات التجارية أيضا إلى إحجام مطوّري المشاريع عن شراء أجهزة التحليل الكهربائي المصنوعة في الصين، والتي قد تكون أرخص بنسبة 75% من الإصدارات المصنعة محليا، وهو فرق هائل في التكلفة يتم إهماله.

إنها سلسلة من المشكلات المقلقة للسبب والنتيجة، لكننا تمكّنا من حلّها باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وبطاريات الليثيوم أيون والسيارات الكهربائية، وليس هناك سبب يمنع تكرار الحيلة نفسها مع الهيدروجين الأخضر. ولكن إذا لم تكن هناك إرادة سياسية، فإن شركات النفط الكبرى مستعدّة للتحرّك والاستحواذ على السوق.

بقلم: ديفيد فيكلينج – بلومبرغ