ثلاثية التغير المناخي والصراع والنزوح

Aug 26, 2024

لا يزال الصراع هو السبب الرئيسي للنزوح، إذ قدّرت الأمم المتحدة، في نهاية عام 2023، أن 117.3 مليون شخص قد نزحوا في جميع أنحاء العالم، منهم 68.3 مليون نازح داخليا.

ويُفاقم التغير المناخي هذا الوضع، حيث يعمل كمضاعف للتهديدات التي تزيد من حدّة التنافس على الموارد، وتفاقم الصراعات، وتعميق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة ضعف المجتمعات وهشاشتها.

كما يتسبّب التغير المناخي في حدوث كوارث تُؤدي إلى النزوح بسبب ظواهر مناخية متطرفة. ففي عام 2023، نزح 20.3 مليون شخص داخليا على مستوى العالم نتيجة هذه الكوارث، وكانت الفيضانات والعواصف والجفاف وحرائق الغابات من الأسباب الرئيسية لذلك.

ومن الضروري الاعتراف بأن النزوح يُؤثر على فئات مختلفة داخل المجتمع بطرق مختلفة، ولكن غالبا ما يواجه النساء والأطفال وكبار السنّ والأشخاص ذوو الإعاقة مخاطر وتهديدات متزايدة، لذا فإن ضمان أن تكون الاستجابات شاملة وتُلبّي الاحتياجات المحددة لجميع الفئات أمر بالغ الأهمية.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تُعد بالفعل واحدة من أكثر المناطق تضرّرا بالصراعات في العالم، من المتوقع أن يزيد التغير المناخي من زعزعة استقرار المجتمعات الهشّة.

ومن المرجح أن يُؤدي الجفاف ونقص المياه والأحداث المناخية المتطرفة إلى زيادة النزوح، ما سيزيد من الضغط على المرافق العامة الهشّة، ويزيد من سوء الظروف المعيشية لملايين الأشخاص.

وأسهمت موجات الجفاف المتكرّرة في نزوح ما يقرب من 140,000 شخص في العراق حتى مارس 2024، وفقا لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة. وفي اليمن، نزح 240,000 شخص في عام 2023، معظمهم بسبب الفيضانات، بالإضافة إلى 4.5 مليون شخص نزحوا بسبب الصراع المستمر.

وتُذكرنا هذه الأرقام بضرورة التعامل العاجل مع هذا الثلاثي المتداخل: التغير المناخي والصراع والهجرة، وها هي الفيضانات الحالية في السودان، التي زادت من معاناة 16 شهرا من الحرب، تُؤكد ذلك أيضا.

ومع هذا، فإن الدعم اللازم للعمل ما زال دون المطلوب. ففي المنطقة العربية، حصلت 6 من أقل البلدان نموا -ثلاثة منها متأثرة بالصراع- على 6% فقط من التمويل المناخي المقدم للمنطقة العربية على مدار العقد الماضي.

ومن الضروري التحرك سريعا للحدّ من تأثير التغير المناخي، بما يتماشى مع اتفاق باريس، لكن بالنسبة للمجتمعات الهشة والضعيفة، من المهم بنفس القدر مساعدتها على بناء القدرة على الصمود والتكيّف، بحيث يمكننا تقليل ومعالجة بل وحتى تفادي النزوح والهجرة القسرية.

وسلط منتدى أسوان الأخير الضوء على الحاجة الملحّة للتعامل مع تداخل التغير المناخي والصراع والنزوح، وكان هذا الموضوع بارزا في المناقشات التي جرت في مصر خلال مؤتمر (كوب27)، ثم في الإمارات خلال مؤتمر (كوب28)، وسيكون كذلك في أذربيجان خلال مؤتمر (كوب29) القادم.

ومن الأهداف الاستراتيجية الرئيسية للمنظمة الدولية للهجرة هو خلق المزيد من الحلول للنزوح، ويقوم هذا العمل على تضافر جهود العمل لمواجهة التغير المناخي وجهود بناء السلام، ويُركز على جعل الهجرة خيارا وليست ضرورة.

وفي جميع أنحاء العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أصبحت الصراعات أكثر تعقيدا واستمرارا، في ظلّ منظومات حكومية ضعيفة، والفوارق الاجتماعية، وتدهور البيئة.

كما أن عواقب هذه الصراعات المعقدة تزداد خطورة، فالأدلة تُشير إلى أن الدول التي تخرج من حرب أهلية تحتاج في المتوسط إلى 14 عاما للتعافي اقتصاديا، و25 عاما لإعادة بناء الأنظمة والمؤسسات.

إن التحديات المناخية المستمرة، بالإضافة إلى الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في هذه البلدان المتأثرة بالصراعات، ستجعل من بناء السلام والتعافي والتنمية مهمة أكثر صعوبة.

ولهذا السبب، يجب أن يكون العمل المناخي جزءا من استراتيجية شاملة تتكامل مع العمل الإغاثي والتنموي والعمل من أجل تحقيق السلام.

نحن بحاجة إلى نهج أكثر استباقية ووقائية عبر المجتمع الدولي، إذ يجب علينا الاستثمار في إعطاء الأولوية للوقاية، بما يتماشى مع هدف التنمية المستدامة الذي يستهدف الحدّ من جميع أشكال العنف ومعدلات الوفيات المرتبطة به بشكل كبير في كل مكان، وأيضا بما يتماشى مع الأجندة الجديدة للسلام التي طرحها الأمين العام للأمم المتحدة.

ويجب علينا -بعدالة- جني فوائد الابتكار المسؤول، واستخدام التكنولوجيا، وتعزيز المجتمعات السلمية التي تستوعب جميع أبنائها، وتوفير الوصول إلى العدالة للجميع، وبناء مؤسسات فعّالة ومسؤولة لاستغلال قوة السلام والتنمية.

ولن نتمكن أبدا من التكيّف بشكل كامل مع جميع تأثيرات التغير المناخي دون سلام حقيقي يُنهي الصراعات الطويلة والمتكررة التي أدّت إلى هذا الكم الهائل من النزوح، خاصة في إفريقيا. وإذا كانت دول العالم جادّة حقا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، فعلى قادة العالم أن يتخذوا خطوات جادّة للمساعدة في إنهاء الحروب.

إن الواقع المتداخل لمشكلات التغير المناخي مع مشكلة الصراع والنزوح يُشكل تحديا معقدا ومتزايدا يتطلب تفاعلا وتعاونا على الصعيد العالمي من خلال التحرك المبكر، والاستثمار في بناء القدرة على الصمود، وتعزيز القدرات الحكومية أو الهياكل، ودمج العمل المناخي مع الجهود الإنسانية والتنموية، ما يجعل الهجرة خيارا وليست ضرورة.

بقلم: عثمان البلبيسي – الجزيرة