كيف يتسنى للأسواق المالية دفع عجلة العمل المناخي؟

Aug 22, 2024

لقد أصبحت أزمة تغير المناخ حاضرة في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل، وقد تؤدي رئاسة دونالد ترامب الثانية المحتملة إلى زيادة الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بمقدار 4 مليار طن إضافية بحلول عام 2030، وهذا كفيل بمحو كل ما تحقق من تقدم في عهد الرئيس جو بايدن. وعلى النقيض من ذلك، أسّست كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية، سجلّا راسخا في التعامل بصرامة مع الملوّثين أثناء تولّيها منصب المدعي العام في ولاية كاليفورنيا.

وفي الوقت ذاته، يعمل تحوّل أوروبا نحو اليمين والسياسات الائتلافية المعقّدة على إبطاء العمل المناخي العالمي. وبينما تتصارع الديمقراطيات الغربية مع حالة انعدام اليقين السياسي المتنامية، قد يكون إنقاذ كوكب الأرض مسؤولية أسواق رأس المال، ولكن من المؤسف أن نظامنا المالي عالق في معضلة السجين الكلاسيكية، فمن المكلِف لأي مؤسسة بمفردها أن تزيل الكربون من جانبها بينما تستمر مؤسسات أخرى في الاستفادة من محافظ كثيفة الكربون، أما إذا التزم جميع مالكي الأصول والمديرين بخفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون ودعم التحوّل المناخي العادل الذي يحمي العمّال والمجتمعات والمستهلكين، فسوف يكون بوسعهم خلق قيمة طويلة الأجل وتحقيق الرخاء للجميع.

الحقيقة غير المريحة هي أنه في غياب سياسات مناخية قوية، مثل تسعير الكربون وإلغاء إعانات دعم الوقود الأحفوري لإعادة تخصيص رأس المال نحو الطاقة النظيفة، لن تنشأ أيّة حوافز تُذكَر للعمل الجماعي، ففي عالم يكون التلوّث مُجزيا، سوف يستسلم المستثمرون لإغراء دعم الشركات التي تنتهج ممارسات غير مستدامة، وهذا من شأنه أن يُحوّل عبء التحوّل في مجال الطاقة إلى آخرين ويترك الجميع في نهاية المطاف في حال أسوأ.

وعلى النقيض من آمال الناشطين، فإن العمل المناخي لا يضمن بالضرورة الفوز للجميع، ذلك أن التحوّل الذي يحدث مرة واحدة في كل جيل يحمل مخاطر مالية وسياسية، فضلا عن الفرص، ويخلق هذا رابحين وخاسرين في مختلف أقسام سلسلة قيمة الاستثمار.

السؤال إذن هو ما إذا كان أصحاب الأصول الكبرى ومديروها قادرين على توجيه الأسواق نحو تحقيق الأهداف المناخية وتوليد عوائد مالية كافية، والإجابة هي أجل، لكن تحقيق هذه الغاية يتطلّب ثلاثة تحوّلات استراتيجية كبرى.

أولا، يتعين على المستثمرين التعامل مع الشركات التي تُطلِق انبعاثات عالية بدلا من سَحب استثماراتهم منها ببساطة، فالواقع أن حملات سَحب الاستثمارات تُفضي غالبا إلى إطلاق جهود حزبية تَرمي إلى حماية صناعة الوقود الأحفوري، في حين يعود التعامل مع الشركات العالية الانبعاثات وتتبّع تقدمها بفوائد مناخية ملموسة تتجاوز إزالة الكربون من المَحافظ.

ثانيا، يجب على المستثمرين السعي بنشاط إلى خفض الانبعاثات بدلا من الاستثمار السلبي في صناعات منخفضة الكربون، فكما أظهرت السنوات الأخيرة، نجد أن صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة التي تُركّز على الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة لا تُحقّق أداء أقل من السوق فحسب، بل وتفشل أيضا في تسريع العمل المناخي.

ثالثا، يتعيّن على المستثمرين اغتنام الفرص السوقية الفريدة التي تخلقها سياسات المناخ الوطنية، فوفقا لوكالة الطاقة الدولية، ستتجاوز استثمارات الطاقة النظيفة 2 تريليون دولار في عام 2024، أي ما يقرب من ضعف المبلغ المستثمر في الوقود الأحفوري.

ومن المؤكّد أن إدارة ترامب الثانية المحتملة قد تعرّض قانون خفض التضخم للخطر، ولكن ذلك ليس حتميا، إذ أن الحوافز التي يقدمها القانون، بما في ذلك 369 مليار دولار في هيئة إعفاءات ضريبية وإعانات دعم للطاقة النظيفة، نالت دعم الناخبين، والمستثمرين، والشركات، والمسؤولين الحكوميين والمحليين، بل وحتى بعض المشرعين الجمهوريين، والواقع أن التأثير المترتّب على قانون خفض التضخم، والذي يشمل 240 مليار دولار في استثمارات الطاقة النظيفة في عامه الأول، لا يمكن تجاهله، وفي حين تعمل الاستثمارات الخضراء على تمكين المستثمرين المؤسسيين من الإبحار عبر التقلّبات المحلية والمساهمة في مكافحة تغير المناخ وتوليد العائدات، فإن أسواق الكربون غير المنظمة قد تُعطي الانطباع بأن الشركات تُولي الأهمية لتعويضات الكربون على إزالة الكربون بشكل حقيقي وفعّال يعود بالنفع على المجتمعات المحلية.

وعلى هذا، فإن المبادرات التي يقودها خبراء المناخ والتمويل، مثل مجلس النزاهة لسوق الكربون الطوعية، من الممكن أن تضطلع بدور محوري في وضع معايير ائتمانات الكربون وصيانة سلامة السوق، على النحو الذي يساعد في توسيع نطاق توظيف أداة تمويل المناخ الأساسية هذه.

وفي اقتصاد يُقدّر العائدات المالية فوق كل شيء آخر، من الطبيعي أن تُركّز الشركات الفردية على الأرباح، ولكن التركيز على توليد العائدات فقط يتجاهل التأثير الكارثي الذي تُخلّفه الأحداث الجوية القاسية المتكرّرة، مثل الأعاصير، والفيضانات، وحرائق الغابات. ومع تزايد حِدة الارتباكات المرتبطة بالمناخ، أصبح كـبار المستثمرين المؤسسيين في وضع فريد من نوعه لقيادة التحوّل الأخضر مع الاستمرار في تحقيق عائدات مالية، ما يُقرّبنا من تلبية أهداف الانبعاثات التي حدّدتها اتفاقية باريس للمناخ عام 2015.

بقلم: لين روتشيلد – جريدة عُمان