تغير المناخ والصراعات والهجرة

Aug 20, 2024

حذّر أنطونيو غوتيريش، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، من أن ارتفاع مستويات سطح البحر يُهدّد العالم بحدوث نزوح جماعي مهول تلجأ إليه مجموعات سكّانية بأكملها، كما ستُخلّف درجات الحرارة المرتفعة تأثيرا مماثلا، إذ تجعل مستويات الحرارة غير المسبوقة المنازل غير قابلة للسكن والأراضي غير صالحة للزراعة.

والأجدر بالعالم أن يتنبه إلى ”رابط ثلاثي“ جديد يجمع بين تغير المناخ والصراعات والهجرة، الذي سيُصبح على الأرجح ملمحا سائدا في العلاقات الدولية، ويترك تداعيات وعواقب شديدة على المستوى المحلي، إذ يُعد تغير المناخ أحد العوامل المسبّبة لنشوب الصراعات واللجوء إلى الهجرة، في حين تُشكّل الأخيرة نتيجة لتغير المناخ والصراعات القائمة.

وقبل عامين، وجدت التقديرات أن العدد القياسي الذي سجّله عام 2022 من النازحين قسرا في العالم، والذي بلغ 100 مليون شخص، كان ثُلثه مدفوعا بظواهر متصلة بالمناخ من قبيل أحوال الجفاف والقحط والفيضانات والعواصف والقيظ الشديد. وبحلول عام 2050، من المرجّح أن يبدو هذا الرقم متدنيا جدا مقارنة بنحو مليار مهاجر تُشير إليهم بعض التقديرات، وذلك نتيجة نشوب كوارث أكثر شدّة وتواترا.

وفيما سيبقى كثير من السكّان الذين نزحوا قسرا بسبب تغير المناخ في المناطق التي لجأوا إليها، إلا أن أعدادا كبيرة منهم ستنتقل إلى مناطق أخرى تسودها مناخات معتدلة وتكون أكثر ثراء، وبالدرجة الأولى إلى أوروبا، وإذا كان مليون وافد قادرين على زعزعة التسوية السياسية في قسم كبير من أوروبا في عام 2015، فماذا عن 10 ملايين شخص، إن لم نقل 100 مليون نازح، ماذا تراهم سيفعلون؟

ومن السخرية أن كثيرا من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا وجمهوريي دونالد ترمب في الولايات المتحدة، الذين يُعارضون بشدّة الهجرة والعمل بسبب تغير المناخ، يعرفون أنهم سيستفيدون انتخابيا من تدفق المهاجرين الهاربين من أزمة المناخ، الأزمة التي يُسهِمون هم فيها بمعارضتهم المستمرة وازدرائهم مبادرات صافي انبعاثات الكربون الصفري.

إذن، ما الخطوات التي يتعين علينا اتخاذها لتفادي هجرة عشرات الملايين من الناس من بلدانهم بسبب تغير المناخ، لا سيما أن معظم هؤلاء لم يسهموا عمليا في أيّ قدر من انبعاثات الكربون التي قادت إلى هذه الأزمة في الأساس؟

أولا، على السياسيين أن يتصدّوا لهذه المشكلة بصورة قاطعة وشاملة، وعلى القادة أن ينتبهوا إلى الزيادة المهولة شبه المؤكدة في الهجرة بسبب أزمة المناخ.

ثانيا، يتعين علينا أن نُعزّز الحماية القانونية للمهاجرين الهاربين من الكوارث المناخية عبر اعتبارهم تماما مثل المهاجرين الذين يغادرون بلادهم قسرا وهربا من ويلات النزاعات فيها، والتوقف عن تصنيفهم ضمن المهاجرين لأسباب اقتصادية.

ثالثا، لا بد من مدّ يد العون إلى البلدان الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية من جهة وبالنزاعات من جهة أخرى، وذلك عبر تقديم مساعدات تنموية لها وتمويل إجراءات مكافحة تغير المناخ.

رابعا، علينا أن نستثمر في جهود مشتركة تسمح بمجابهة آثار تغير المناخ وتدبير الموارد الطبيعية وحمايتها، مثل أساليب ”بناء السلام البيئي“ لتوحيد المجتمعات من أجل مواجهة التحديات المشتركة.

خامسا، من الضروري مواجهة التضليل اليميني المتطرف وخطاب الكراهية ضد المهاجرين، وتثقيف المجتمعات المستضيفة في الدول التي تستقبل هؤلاء الوافدين وإرساء قيم الحوار.

وبطبيعة الحال، تتطلّب كل خطوة من الخطوات الخمس المذكور آنفا تمويلا جديّا، وبناء شراكات جديدة، ووجود شجاعة سياسية، إذ أن عدم اتخاذ تلك الإجراءات من شأنه أن يقود إلى زعزعة استقرار مجتمعاتنا.

بقلم: أندرو غيلمور – اندبندنت عربية