اتساع الغطاء النباتي في القارة القطبية الجنوبية

Aug 16, 2024

تُعد القارة القطبية الجنوبية أرضا قاحلة تكثر فيها العواصف الثلجية، وتكاد تنعدم فيها معالم الحياة المألوفة على كوكب الأرض الزاخر بالكائنات الحية المختلفة وأنماط الحياة المتشعبة.

إلا أن ما تم رصده في تلك المنطقة مؤخرا هو ظهور غطاء نباتي على اليابسة بسبب ذوبان الثلوج المتراكمة وانخفاض درجة الحرارة نسبيا، الأمر الذي يُعزى إلى مشكلة الاحتباس الحراري.

وتستعرض الدراسة الجديدة، التي نُشرت في دورية نيتشر جيوساينس، خريطة شاملة لتوسّع رقعة الغطاء النباتي في القارة القطبية بمساعدة الأقمار الصناعية، ويظهر انتشار غير مسبوق لبعض النباتات والطحالب في مناطق غير متوقعة، ما يُعد نذير خطر.

وتُعد القارة القطبية الجنوبية أحدث قارات الأرض اكتشافا، وتقع في أقصى النصف الجنوبي للأرض، متمركزة بشكل غير متماثل حول القطب الجنوبي للكوكب، ويحيط بها المحيط القطبي الذي يمتدّ من سواحل القارة حتى خط عرض 60 درجة جنوبا، وقد مضى قرابة القرنين فقط منذ أن حطّت أول قدم إنسان عليها، وفقا للسجلات التاريخية.

وبالنظر إلى موقعها الجغرافي المحوري، الواقع تماما عند محور الأرض، فإن الظروف القاهرة للقارة تجعلها في حالة من التجمّد القاسي طوال العام، كما تبلغ مساحتها 13.7 مليون كيلومتر مربع، لتغطي بذلك نحو 8% من إجمالي اليابسة على الأرض.

وتُشير التقارير الصادرة عن وكالة الفضاء ناسا إلى أن معدل الذوبان في القارة المتجمدة بين عامي 2002 و2023 بلغ ما متوسطه 150 مليار طن متري من الجليد سنويا، كما أشار تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن ارتفاعا قد حدث في متوسط منسوب المياه بنحو 0.2 متر منذ عام 1990. وقياسا على ذلك، يُقدّر العلماء ارتفاعا آخر سيصل إلى متر واحد مع حلول عام 2100، وربما يصل إلى 5 أمتار مع حلول عام 2150، وهو أمر لا يمكن استبعاده نظرا للتدهور السريع في تركيبة الغلاف الجوي للأرض.

وعليه، فإن الذوبان المستمر دفع إلى بروز يابسة القارة القطبية في أنحائها، ما ساعد على ظهور بعض من الطحالب والأعشاب التي رصدتها دراسات عدة، والتي تُظهر انتشار عشبة الشعر القطبية وعشبة اللؤلؤ القطبية بمعدل أسرع بنحو 5 إلى 10 مرات في العقد الماضي، وذلك يتعلق بشكل مباشر بتغير متوسط درجة حرارة القطب.

ورغم أن الغطاء النباتي في دلالته الدائمة يعكس مدى ازدهار الحياة والمستقبل المشرق، فإن الأمر ليس كذلك عند ظهوره في مناطق يجب أن تبقى متجمدة للحفاظ على متوسط درجة حرارة الكوكب ومنع ارتفاع منسوب المياه الذي سيغرق مدنا ساحلية بأكملها، من بينها نيويورك وجاكرتا وعديدا من المدن العالمية المكتظة بالسكّان، وحتى من المتوقع غرق بلاد بأكملها، مثل المالديف، إذا ما سارت الأمور على الوضع الحالي.

وترصد الخريطة الحديثة للغطاء النباتي في القارة الجنوبية نحو 44.2 كيلومترا مربعا من الأراضي الخضراء، ويقع معظمها في شبه الجزيرة القطبية الجنوبية والجزر الساحلية المجاورة، وتُشكّل هذه المساحة الخضراء نحو 0.12% من إجمالي مساحة القارة القطبية الجنوبية.

وقد اعتمد الباحثون على صور مكثفة من الأقمار الصناعية ساعدتهم على رسم خريطة شاملة للقارة، والتركيز على الأنواع النباتية القادرة على الصمود في ظلّ الظروف القاسية. وعلى الرغم من أن نسبة الغطاء النباتي الذي تُمثّله حجم القارة صغيرة نسبيا، فإن ذلك قد يكون فاتحة لما هو أعظم، ويعكس مستقبلا خطيرا على سكّان الكوكب.

وتضم الطبقة الجليدية في جوف القارة القطبية نحو 25 مليون كيلومتر مكعب من الجليد، وإذا تعرّضت تلك الكتلة الجليدية الضخمة للذوبان تحت أيّ ظرف أو طارئ، فإن متوسط مستوى سطح البحر سيرتفع بمقدار 61 مترا، وهذا يعني أن جميع الأبنية التي تتألف من 18 طابقا سيلتهمها الماء وتطمر كل ما هو أقل منها ارتفاعا.

وقياسا على ذلك، فإن تغيّرات جوهرية ستطرأ على كوكب الأرض والكائنات الحية، لا سيما تلك المناطق الساحلية التي يقطنها 40% من سكّان الكوكب، أي نحو 3 مليارات نسمة.

المصدر: دورية نيتشر جيوساينس