الاحترار العالمي… معضلة اليوم والمستقبل

Aug 06, 2024

على مدى عقود، اعتُبرت مشكلة الاحترار العالمي على أنها أزمة المستقبل، ولكن مع تقلّب درجات الحرارة القياسية بلا هوادة، اتّضح أننا وصلنا إلى هذا المستقبل فعلا.

وشهد يوليو المنصرم أشدّ الأيام حرارة في التاريخ، إذ وصل متوسط درجة الحرارة عالميا إلى 17.15 درجة مئوية، وفقا لوكالة كوبرنيكوس لمراقبة تغير المناخ، محطما الرقم القياسي السابق الذي سُجل قبلها بيوم واحد فقط.

وكانت قد سجّلت درجات الحرارة أرقاما قياسية في يوليو 2023، إذ شهدت الأعوام العشرة الماضية أعلى 10 مستويات لدرجة الحرارة القصوى سنويا في التاريخ، وفقا لبيانات وكالة كوبرنيكوس التي تعود إلى عام 1940.

كما انتقلت المستويات المرتفعة للحرارة في العامين الماضيين إلى عتبة جديدة، حيث تجاوزت الـ17 درجة مئوية لأول مرة.

وفي العام الماضي، كان باستطاعتنا أن نعزو جزءا من ارتفاع درجة الحرارة إلى ظاهرة النينيو المناخية، إلا أن هذه الظاهرة انتهت، وما زال مقياس الحرارة عاليا بمستويات قياسية.

كذلك، قد تكون درجات الحرارة تلك هي أعلى الدرجات المرتفعة منذ حوالي 125 ألف سنة، إذ لا يكلّ الذين يُنكرون تغير المناخ من الإشارة إلى أن المناخ يشهد تغيرا على الدوام، فقد جاء عصر جليدي طويل بعد تلك الفترة الحارّة منذ 5 آلاف جيل، عندما ارتفعت درجات الحرارة بما يُضاهي تقريبا مستوى العام الماضي.

وبعد ذلك، ارتفعت حرارة الكوكب بشكل طبيعي حتى بلغت مستويات الحرارة اللطيفة والملائمة لازدهار الحضارة البشرية لما يقرب من 240 جيلا، وهو ما شكل عصرا ذهبيا للزراعة وتكييف الهواء.

ولكن الخبر السيئ هو أنه بفضل تلك الحضارة نفسها التي تحرق الوقود الأحفوري، وتنفث الغازات الحابسة للحرارة في الغلاف الجوي، فإن درجات الحرارة اللطيفة تلك أصبحت شيئا من الماضي.

نحن في طريقنا لتجاوز 1.5 درجة مئوية من الاحترار إلى ما يقرب من 3 درجات مئوية، وبالرغم من أن هذه السنوات هي الأشدّ حرارة في التاريخ المسجّل، إلا أنها ستكون أيضا من أكثر السنوات برودة مقارنة مع ما قد نشهده في المستقبل.

إن ارتفاع درجات الحرارة يشحن طقس كوكب الأرض، ما يؤدي إلى موجات حرارة أكثر تواترا وشدّة، وموجات جفاف وحرائق غابات وفيضانات وأعاصير وعواصف رعدية مدمّرة بشكل متزايد.

ومع هذا الارتفاع، ستؤدي الحرارة في نهاية المطاف إلى ذوبان الصفائح الجليدية ورفع مستوى سطح البحار عالميا، والقضاء على غابات الأمازون المطيرة، وذوبان الجليد الدائم في مناطق القطب الشمالي، وإطلاق غاز الميثان ومسبّبات الأمراض القديمة، وقتل الشعاب المرجانية، وإيقاف تيار المحيط الأطلسي المنظم لحرارة أوروبا، كما ستؤدي إلى هجرات جماعية وحروب على الموارد.

ولكن التأثير المباشر الأكثر فتكا هو الحرارة نفسها، فهي تهاجم صحة الإنسان على كل المستويات، وتحصد بالفعل أرواحا كل عام أكثر من كل الكوارث المناخية الأخرى مجتمعة.

إن تحديد خطر الحرارة على الصحة أمر بالغ الأهمية، إذ يحتاج الناس، لا سيما كبار السن والأطفال والأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة والأشخاص الذين يفتقرون إلى مكيفات الهواء، إلى التثقيف بشكل أفضل حول مخاطرها، حتى يتوقفوا عن تعريض أنفسهم للأذى.

علينا أن نتعامل مع الحالة الجديدة الدائمة من ارتفاع درجات الحرارة عالميا باعتبارها حالة طوارئ صحية عامة على نفس مستوى الأوبئة، ما يتطلب من الدول والمجتمعات العمل فورا على معالجة الأزمة، الآن وليس مستقبلا.

بقلم: مارك جونجلوف – بلومبرغ