النيوليبرالية الميتة تُعوق النمو الأخضر

Jul 26, 2024

ربما تُبشّر الانتصارات الانتخابية الأخيرة التي أحرزتها أحزاب يسارية في فرنسا والمملكة المتحدة بعصر جديد من صنع السياسات المناخية في أوروبا، فحكومة حزب العمال الجديدة في بريطانيا لديها خطط طموحة لتوسيع قدرة الطاقة المتجددة، ورغم أن بناء الائتلاف لا يزال صعبا، فقد أُحبِط اليمين المتطرف المتشكّك في العمل المناخي في فرنسا.

ونأمل أن يتم نقل هذا الزخم إلى اجتماع وزراء مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو في يوليو الجاري، إذ ستنظر الدول الغنية في الاقتراح الرائد المقدم من البرازيل والذي يقضي بفرض ضريبة ثروة سنوية بحدّ أدنى 2% على أصحاب المليارات على مستوى العالم. ومن الممكن أن تعمل هذه الضريبة، إلى جانب أدوات تمويل العمل المناخي الجديدة التي من المتوقع الإعلان عنها، على دعم الاستثمارات في النمو الأخضر، والتكيّف مع المناخ، والتدابير الرامية إلى معالجة أوجه التفاوت داخل البلدان.

ولكن أدوات الاستثمار الجديدة لن تكون كافية، فكما أظهرت تجربتنا مع كوفيد-19 بأن الأساليب القائمة على السوق لم تكن كافية للتصدي للجائحة، فهي كذلك لا يمكنها المساعدة في مقاومة الدمار البيئي أو فجوة الثروة الشديدة الاتساع في العالم، بل وحتى العالم الغني بدأ يبتعد عن العقيدة النيوليبرالية المتمثلة في الخصخصة وإلغاء القيود التنظيمية.

وما دامت البلدان النامية مقيّدة بالقواعد القديمة، فسوف تجد صعوبة شديدة في تطوير نماذج اقتصادية خاصة بها وتشكيل مصائرها بنفسها. وفي حين كان دُعاة التجارة الحرّة الغربيون في السابق ينتقدون استخدام الصين لتدابير الحماية وإعانات الدعم لمحاباة قطاعات استراتيجية، فقد أصبحت هذه الممارسات الآن من لوازم اللياقة في الاقتصادات المتقدمة.

وتضخّ الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات لصناعات المركبات الكهربائية والبطاريات المحلية من خلال قانون خفض التضخم، مستخدمة الدولة لتحفيز الاستثمار وخلق فرص العمل في القطاعات الخضراء. وعلى الرغم من النضال العالمي للتصدّي لتغير المناخ، فإن قواعد التجارة الدولية لا تسمح للدول النامية بتعزيز صناعاتها الخاصة على هذا النحو.

فعلى سبيل المثال، عوقبت إندونيسيا، الدولة الرائدة عالميا في إنتاج النيكل، وهو معدن أساسي في تصنيع بطاريات المركبات الكهربائية، في منظمة التجارة العالمية لتبنّيها استراتيجية صناعية. وفي حين فقدت وصفات السياسة النيوليبرالية شعبيتها في الاقتصادات المتقدمة، فإنها الآن تُعبَّأ من جديد في صناديق خضراء وتُشحَن للدول الأقل ثراء، والتي لا تتمتع بمثل ذلك التَّرَف الذي تمتلكه البلدان المرتفعة الدخل.

كما يتعيّن على الدول النامية أن تتوصّل إلى كيفية خلق فرص العمل، والحدّ من التفاوت، وإزالة الكربون من اقتصاداتها، وكل هذا بالاستعانة بمجموعة محدودة للغاية من الأدوات والقدرات التكنولوجية. وعلاوة على ذلك، تدفع الدول الأكثر ثراء الدول النامية إلى تبنّي مصادر الطاقة المتجددة، في حين أن قواعد التجارة غير العادلة تحدّ من قدرة الدول الأكثر فقرا على الوصول إلى التكنولوجيا الخضراء بأسعار معقولة، وتدلّ مثل هذه المعايير المزدوجة على اختلالات توازن القوى التي لوحظت في السنوات الأخيرة عندما احتكرت الدول الأكثر ثراء اللقاحات، وخفّضت ميزانيات المساعدات، وفشلت في الوفاء بوعود تمويل العمل المناخي.

وإذا كانت البلدان النامية قادرة على تشكيل سياساتها الخاصة، فإن الاستثمارات المناخية من شأنها أن تدفع جهود خلق فرص العمل ودعم النمو الشامل، كما أنها سوف تستفيد من خطط الضرائب الوطنية والدولية التقدمية المبنية على نجاحات أخيرة، مثل اتفاقية الأمم المتحدة الضريبية.

وفي الواقع، فإن انحسار الفكر النيوليبرالي يمنح الاقتصادات النامية والناشئة فرصة للتعاون في تصميم نموذج جديد. ومن خلال ابتكار نماذج تربط بين الاستراتيجيات الخضراء والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، يُصبح بوسع هذه الاقتصادات حماية أجندة المناخ من هجمات الانتهازيين.

وكما أن هناك أنماط مختلفة من الرأسمالية، فهناك مسارات مختلفة للتنمية الخضراء، فمثلا المكسيك، القوة الصناعية والمنتجة للنفط، انتخبت للتوّ عالمة المناخ، كلوديا شينباوم، لرئاسة البلاد، وتعتزم إدارة شينباوم استثمار 13.6 مليار دولار في الطاقة المتجددة بهدف تلبية 50% من الطلب على الكهرباء من خلال مصادر خالية من الكربون بحلول عام 2030، وإذا ما أُديرت هذه الجهود على النحو الصحيح، فإنها كفيلة بتعزيز خلق فرص العمل وتضييق فجوات التفاوت، مع الاستفادة من الشركات المملوكة للدولة في دعم ونشر التكنولوجيا الخضراء.

والبرازيل أيضا في وضع يسمح لها بريادة السياسات الخضراء في العالم النامي، إذ تعمل إدارة الرئيس، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، على دفع عجلة التنمية المستدامة والإصلاح الضريبي، وإذا ما تمكّنت من تنسيق سياستها الصناعية وأهداف البنية الأساسية والمبادرات الخضراء، مثل خطة التحوّل البيئي، بشكل فعّال، فسوف يكون بوسعها أن تنطلق إلى الأمام مستعينة بأجندة نمو أخضر قوية في الداخل، مع توسيع نفوذها الإقليمي والعالمي كمضيف لاجتماع مجموعة العشرين هذا الشهر، ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب30) في العام المقبل.

نحن قادرون على بناء عالم جديد من العدالة المناخية والمساواة الاجتماعية على أنقاض النيوليبرالية، ولكي ننجح في هذا، فنحن بحاجة إلى بنية اقتصادية جديدة تُصمّمها وتصونها البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، إذ يتطلّب الأمر دولا أكثر قوة وقدرة على تصميم وتنفيذ سياسات لدفع النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتضييق فجوات التفاوت، وإزالة الكربون.

بقلم: لورا كارفالو – خدمة بروجيكت سنديكيت