هل تشعر برطوبة شديدة حاليا؟ تلك هي البداية فقط!

Jul 22, 2024

يمرّ العالم العربي حاليا بموجة حارّة قاسية، تهدأ قليلا ثم لا تلبث أن ترتفع وتيرتها مرة أخرى، ويصاحبها موجة رطوبة شديدة ترفع الإحساس بالحرارة إلى درجة كانت غير مسبوقة في بعض المدن العربية.

ويُمثّل يوليو وأغسطس ذروة الصيف في منطقتنا، ومع درجات الحرارة المرتفعة فإن معدل التبخر من المسطحات المائية والتربة والغطاء النباتي يرتفع، ليُسهم ذلك في ارتفاع مستويات الرطوبة.

الهواء كحقيبة حاملة للماء

ويأتي ذلك في سياق أن العديد من الدول العربية تقع بالقرب من مسطحات مائية كبيرة، مثل الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر العرب والبحر المتوسط، وتتبخر مياه هذه البحار الدافئة بشكل أكبر في وجود حرارة الصيف، ليُضيف ذلك مزيدا من الرطوبة إلى الهواء.

وتشهد المناطق الساحلية، على وجه الخصوص، رطوبة أعلى بسبب التأثير البحري، وتحمل الرياح التي تهبّ من البحر مزيدا من الرطوبة إلى الداخل، فتزيد مستويات الرطوبة. وفي كل الأحوال، فإن درجات الحرارة المرتفعة في الصيف تُؤدّي إلى إنشاء أنظمة ضغط منخفض تَسحب الهواء الرطب من البحار المحيطة.

وإضافة إلى ذلك، فإنه يمكن للهواء الدافئ أن يحمل بخار ماء أكثر من الهواء البارد، يُوصف ذلك بما يسمى بـ”معادلة كلاوزيوس – كلايبرون“ التي تُفيد في أحد استنتاجاتها بأن قدرة الهواء على الاحتفاظ بالرطوبة تتضاعف تقريبا مع كل زيادة قدرها 10 درجات مئوية في درجة الحرارة.

ومع زيادة درجة حرارة الهواء تزداد أيضا نقطة التشبّع (الحدّ الأقصى لكمية بخار الماء التي يمكن للهواء الاحتفاظ بها عند درجة حرارة معينة)، وذلك يسمح لمزيد من الرطوبة بالبقاء في الهواء دون أن تتكثف في صورة سائل.

ومن ثم فإنه في يوم صيفي حارّ، تُسخّن الشمس الأرض والمسطحات المائية، فيزيد التبخر، وهذا يضيف مزيدا من بخار الماء إلى الهواء ويرفع الرطوبة.

تأثير بشري

وإلى جانب العوامل المناخية، توجد عوامل بشرية تُسهم في رفع الحرارة خلال يوليو وأغسطس، إذ يمكن للمدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة والبنية التحتية المُدجّجة بوحدات تكييف الهواء أن تزيد مستويات الرطوبة المحلية بسبب زيادة انبعاثات بخار الماء.

وتميل المدن إلى أن تكون أكثر دفئا من المناطق الريفية المحيطة بها بسبب تأثير الجزر الحرارية الحضرية، حيث تمتص المباني والطرق والأسطح الخرسانية ضوء الشمس أثناء النهار، وفي الليل تُطلق هذه الأسطح الحرارة المخزّنة، فيجعل ذلك المدينة أكثر دفئا من المناطق المحيطة بها.

وغالبا ما تحتوي المدن على عدد أقل من الأشجار والمساحات الخضراء التي من شأنها أن تُوفّر الظلّ والتبريد، ويُسهم ذلك إلى جانب تكييف الهواء والعمليات الصناعية وانبعاثات المركبات في زيادة الحرارة وبالتبعية الرطوبة.

تأثير التغير المناخي

ولأن التغير المناخي يرفع من درجات حرارة الطقس، فإن ذلك يعني أن هواء الأرض سيحمل مزيدا من الرطوبة عاما بعد عام. وتُوضّح بعض الدراسات الحديثة أن الظروف في منطقتنا العربية قد تصبح شديدة الحرارة والرطوبة بحلول نهاية القرن، وربما يجعل ذلك البقاء في الخارج أكثر من 6 ساعات أمرا لا يطاق في بعض الدول.

وقد أظهرت دراسة من وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) أن المستويات القصوى للإجهاد الحراري تضاعفت على مدى الـ40 سنة الماضية. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، إذ وجدت الدراسة أنه منذ عام 2005 تجاوزت درجات حرارة البصيلة الرطبة 35 مئوية لفترات قصيرة من الزمن في 9 مناسبات منفصلة في عدد من الأماكن بالعالم، منها الخليج العربي ومحيطه، وهو أمر خطير نسبيا.

وقد وجدت دراسة أخرى أن أجزاء من الشرق الأوسط بشكل خاص قد تتجاوز عتبة درجة حرارة البصيلة الرطبة الآمنة مع اقتراب نهاية القرن.

أثر البصيلة الرطبة

وفي الظروف الشديدة الحرارة والرطوبة، عندما يكون الهواء مثقلا ببخار الماء، لا يتبخر العرق، وقد يواجه الجسم صعوبة في التخلّص من الحرارة، وتلك النقطة التي تقلق العلماء في هذا السياق.

ويُعرّف العلماء درجة حرارة البصيلة الرطبة على أنها مقياس مشترك لكل من درجة الحرارة والرطوبة التي كلما ارتفعت أصبح الهواء لَزِجا وأكثر سخونة. وتُمثّل درجة حرارة البصيلة الرطبة أدنى درجة حرارة يمكن أن تبلغها برودة الجسم البشري عندما تتبخر الرطوبة منه عن طريق التعرّق، فكلما انخفضت أصبح من الأسهل علينا أن نُبرّد أجسامنا، وكلما ارتفعت أصبح صعبا أن نُبرّد أجسامنا.

وطالما أن درجة حرارة البصيلة الرطبة أقل بكثير من درجة حرارة بشرتك، فيمكن لجسمك إطلاق الحرارة، ولكن عندما تقترب درجة حرارة البصيلة الرطبة من درجة حرارة جسمك الأساسية (37 درجة في المعتاد) فإنك تفقد القدرة على تبريد جسمك.

وتُعد أعلى درجة حرارة رطبة يمكن للبشر تحمّلها عند تعرّضهم لطقس حارّ رطب لمدة 6 ساعات على الأقل هي حوالي 35 درجة مئوية، وتختلف هذه القراءة عن درجة الحرارة العادية المعلنة في الأخبار والمواقع الإلكترونية، إذ تكون عادة أبرد منها.

وبذلك تُعد درجة حرارة البصيلة الرطبة المرتفعة أمرا خطيرا، إذ أن البشر يفقدون حوالي 80% من الحرارة من خلال التعرّق، لذلك عندما تكون الرطوبة ودرجة حرارة الهواء مرتفعة، يُصبح من الصعب التخلّص من الحرارة الزائدة، وقد يُؤثّر ذلك على الجسم بالسَّلب ويُدخله في وقت أسرع في حالة إجهاد حراري يمكن أن تكون مميتة في مستوياتها الخطيرة.

وفي عام 2022، أفادت دراسة من جامعة هارفارد بأن معدلات الإجهاد الحراري ترتفع عاما بعد عام بسبب الاحترار العالمي، موضحة أنه حتى لو تم تحقيق هدف اتفاق باريس المتمثّل في الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى درجتين مئويتين، فمن المرجّح أن يزيد التعرّض لمستويات حرارة خطيرة بمقدار 3 – 10 أضعاف في العديد من المناطق في جميع أنحاء العالم.

وقد وجدت دراسة أخرى أن مليارات البشر سيتأثّرون بحرارة لا تطاق لجسم الإنسان إذا ارتفعت درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، وبشكل خاص في شمال الهند وباكستان وبنغلاديش وشرق آسيا والجزيرة العربية ومنطقة الساحل الإفريقي.

المصدر: الجزيرة