أفعى سامّة تهدد أمن الأردنيين بسبب التغير المناخي

Jul 17, 2024

بعد نحو 10 أيام من دخوله المستشفى، لقي الشاب الأردني، عمار عبيدات، حتفه جرّاء تمكن سمّ ”أفعى فلسطين“ من الانتشار في جسده، في محافظة إربد شمالي الأردن، والتي تُعد واحدة من المحافظات التي ينتشر بها هذا النوع من الأفاعي.

عبيدات لم يكن الحالة الأولى من نوعها، إذ عادة ما تتسبّب ”أفعى فلسطين“ في عدد من الوفيات في الأردن وفلسطين المحتلة، لكن العدد في فلسطين أكبر بفارق كبير، إذ يبلغ 300 حالة سنويا، حتى أن الحيوانات لم تسلم من تلك الأفعى، إذ يصل عدد حالات اللدغ بين الخيول والماشية ما بين 130 – 150 حالة سنويا، وعلى الأغلب تنتهي بالوفاة.

وتُشير الأبحاث التي أعدها الأستاذ في علوم البيولوجيا، بشير جرار، إلى أن ”أفعى فلسطين“ تُعد واحدة من أخطر الأفاعي السامّة المنتشرة في الأردن وفلسطين ولبنان، وهي من أكثر الأفاعي المسبّبة لحالات اللدغ في المحيط الذي توجد فيه، والتي ينتج عنها إما الوفاة أو بتر الجزء المصاب، وتتصدّر الموقع الثاني ضمن قائمة أخطر الأفاعي في الشرق الأوسط، تتقدّم عليها ”الأفعى المقرنة الكاذبة“.

التغير المناخي يزيد من شراستها

وبالرغم من وجودها منذ أعوام طويلة، فإن ثمّة تغيرات مقلقة تتمثّل في انتشار ”أفعى فلسطين“ الواسع، فبعد أن كانت توجد في عدد من المحافظات الشمالية في الأردن، مثل إربد وجرش وعجلون، أصبحت تُشاهد في أطراف العاصمة عمّان وفي محافظات الجنوب وأطراف البادية.

وقال جرار ”عادة ما تنتشر أفعى فلسطين بداية الربيع وخلال شهور فصل الصيف كاملة، وتنشط خلال الساعات الأولى من الغروب وتخرج ليلا وأثناء النهار في المناطق الشجرية، وتُفضّل الوجود بالقرب من المنازل، ولا تهوى المسطحات المائية ولا تُشاهد في المناطق الصحراوية، إلا أن التغير المناخي غيّر من عاداتها“.

وأضاف أن ”التغير المناخي أسهم في تقليل مدّة بيات ”أفعى فلسطين“ الشتوي، فبدلا من 2 – 3 أشهر، أصبح يقتصر بياتها على أسابيع معدودة، كما أثّرت درجات الحرارة المرتفعة على تقليل فترة حضانة البيض إذ تضع 22 بيضة خلال أيام قليلة، بعد أن كانت تحتضنه من 6 إلى 7 أسابيع“.

وأسهمت هذه العوامل جميعها في زيادة نشاط ”أفعى فلسطين“ ليلا ونهارا، ومنحتها فرصة للظهور في البيئة لفترات أطول، وزيادة عدائها، ووصولها لمناطق أكبر لم تكن موجودة فيها قبل سنوات، إذ أصبحت تذهب لمناطق ساخنة أكثر، بحسب جرار.

سمٌّ مختلف

ويتّفق خبير الأفاعي، ياسين الصقور، بأن التغير المناخي ساعد في زيادة شراسة ونشاط ”أفعى فلسطين“، ولكنه يرى أن ثمّة عوامل بشرية أسهمت أيضا في ذلك وتتمثّل في عادة قتل الأفاعي غير السامّة التي خُلقت لافتراس الأفاعي السامّة، قائلا ”يوميا أشهد حالات لقتل أفاعي جُلّها غير سامّ، وهذا بدوره يمنح الأفاعي السامّة فرصة الانتشار“، ويُفضّل الصقور عند مشاهدة الأفعى بالقرب من المنزل عدم الاقتراب منها والتواصل مع الجهات المعنية.

ويمكن تمييز ”أفعى فلسطين“ من ضخامة رأسها المثلث، وجسمها الممتلئ، وذيلها القصير. أما عن أعراض لدغتها، فتُسبّب ألما مبرّحا في مكان اللدغة، ووَرما بعد ذلك، ثم تبدأ في التقرّح والإسوداد، ويعود ذلك إلى قدرة السمّ على تكسير كريات الدم الحمراء وإتلاف شبكة الأوعية الدموية، والتسبّب بنزيف دموي.

وتتسبّب ”أفعى فلسطين“ كل عام في 60 حالة لدغ بالأردن، ويبلغ عدد الوفيات بمعدل 5 على الأقل. وأوضح جرار أن ”تكلفة علاج اللدغة الواحدة 40 ألف دولار، ولا يستطيع المواطن دفعها، وفي الحالات التي يتمكّنون من الحصول عليها يكون السمّ قد استفحل في جسد المصاب، كما حدث مع حالة الشاب عبيدات، وعادة ما يتم التعامل مع المصاب بمنحه ترياقا عاما، إلا أنه غير كاف“.

إرث يُخشى منه وعليه

وتُثير الأفعى تخوّفات لدى الأردنيين والفلسطينيين خلال هذه الفترة من العام، يُقابلها تحذيرات من انتشارها. ومن جهة أخرى، يُقلّل حقوقيون بيئيون من خطرها، ويطالبون بعدم قتلها، والحفاظ عليها.

ويتفق جرار مع ذلك، إذ أن ”أفعى فلسطين“ مهددة بالانقراض، ويجب عدم قتلها لما لها من دور أساسيّ في توازن البيئة. أما إذا وجدت في البيت، فيمكن قتلها أو يُترك لها المجال للخروج.

وتشيع العديد من الأسماء التي تُطلق على ”أفعى فلسطين“، وهي: الرقطاء والربداء والزعراء والحيزاء، إلا أن الكثيرين يُصرّون على تسميتها بـ”أفعى فلسطين“ نسبة للمكان التي وُثّقت فيه، ومنعا لسرقتها ثقافيا من قبل الاحتلال، وحفاظا على إرث يُخشى منه وعليه.

المصدر: الجزيرة