مستقبل غذاء العالم في خطر بسبب أزمة المناخ

Jul 08, 2024

ألحق التغير المناخي أضرارا بالغة بالمزارع وصناعة الغذاء، إذ تسبّب في تعطّل إنتاج الغذاء وارتفاع أسعاره عالميا جرّاء موجات الحرّ الشديد والجفاف والفيضانات.

وتسبّبت أنماط الطقس المتغيرة بشكل دائم، نتيجة لتغير المناخ، بزيادات حادّة في أسعار المواد الغذائية، بدءا من البرتقال في البرازيل إلى الكاكاو في غرب إفريقيا، والزيتون في جنوب أوروبا إلى القهوة في فيتنام، إذ تُقلّل من غلّات المحاصيل، وتضغط على الإمدادات وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

وقال آدم ديفيس، المؤسس المشارك لصندوق التحوط الزراعي العالمي (فرير كابيتال)، إن ”تغير المناخ ساعد في رفع أسعار قائمة طويلة من السلع الغذائية التي يتم تداولها بمستويات أعلى هذا العام“، مضيفا ”ارتفع القمح بنسبة 17%، وزيت النخيل بنسبة 23%، والسُّكّر 9%“.

وفي المملكة المتحدة، كانت ثُلث الزيادات في أسعار المواد الغذائية في عام 2023 بسبب تغير المناخ، وفقا لوحدة أبحاث الطاقة والمناخ. وقال فريدريك نيومان، كبير الاقتصاديين الآسيويين في بنك (HSBC) إن ”تغير المناخ يؤدي إلى تأثير دائم على القدرة على توفير الغذاء، إذ أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، الذي كان يُعتبر مؤقتا، أصبح مصدرا للضغوط التضخمية المستمرة“.

وعلى الصعيد العالمي، قد ترتفع معدلات التضخم السنوي في أسعار الغذاء بما يصل إلى 3.2 نقطة مئوية سنويا خلال العقد المقبل نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وفقا لدراسة حديثة أجراها البنك المركزي الأوروبي ومعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ.

وهذا يعني زيادة في التضخم الإجمالي السنوي بما يصل إلى 1.18 نقطة مئوية بحلول عام 2035، بحسب الدراسة، التي استخدمت بيانات تاريخية من 121 دولة من عام 1996 إلى عام 2021 لوضع نموذج لسيناريوهات التضخم المستقبلية.

وتستبعد العديد من البنوك المركزية أسعار المواد الغذائية والطاقة من التضخم الأساسي، وهو المقياس الذي تُراقبه البنوك المركزية عن كثب، وذلك بسبب تقلّباتها، ولكن الآن تتزايد النقاشات حول تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ووفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن العالم يسير على مسار ارتفاع درجات الحرارة بما يصل إلى 2.9 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، أي ما يقرب من ضعف الهدف المتفق عليه في محادثات المناخ في باريس عام 2015.

وتتزايد وتيرة الاحتباس الحراري مُتحدّية توقّعات علماء المناخ، إذ كان العام الماضي هو العام الأكثر سخونة على الإطلاق، وقد يتفوّق عليه العام الجاري مع ارتفاع درجات الحرارة في عدة بلدان حول العالم إلى ما يزيد عن 50 درجة مئوية.

والزراعة هي أحد القطاعات الأكثر تأثّرا بشكل مباشر. وعلى مدى العقد المقبل قد يكون هناك نقص في بعض المحاصيل الأكثر أهمية على مستوى العالم، حيث أن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة يُعيق إنتاج المحاصيل.

فعلى سبيل المثال، تنخفض إنتاجية القمح بشكل كبير بمجرد أن تتجاوز درجات الحرارة في الربيع 27.8 درجة مئوية، وقد شهدت المناطق الرئيسية لزراعة القمح في الصين والولايات المتحدة درجات حرارة تتجاوز هذه الدرجة بشكل متكرّر على نحو متزايد.

وموجات الحرّ، التي كان من المتوقّع أن تحدث مرة كل 100 عام في عام 1981، أصبحت الآن متوقّعة كل 6 سنوات في الغرب الأوسط للولايات المتحدة، وكل 16 عاما في شمال شرق الصين، وفقا للبحث الذي أجرته كلية فريدمان لعلوم وسياسات التغذية بجامعة تافتس الأميركية.

ويُعد الأرز وفول الصويا والذرة والبطاطس من بين المواد الغذائية الأساسية الأخرى التي يُمكن أن تشهد انخفاضا في الإنتاج، إذ أن ارتفاع درجات الحرارة يعني انخفاض الغلّة بالنسبة للعديد من المحاصيل.

وبالنسبة للمزارعين، فإن التحديات التي يفرضها تغير المناخ تعني ارتفاع تكاليف المدخلات، فالأراضي التي كانت تنتج محاصيل وافرة من مياه الأمطار تحتاج الآن إلى الريّ، وهناك حاجة إلى المزيد من المبيدات الحشرية لإبعاد الأمراض والحشرات.

ويُشكّل الغذاء أيضا حصّة أكبر من نفقات الأُسَر في الاقتصادات النامية، والتي تصل إلى 50% من مؤشر أسعار المستهلك، ما يعني أن أيّ زيادة في الأسعار لها تأثير كبير على التضخم الإجمالي. كما يُؤدّي ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى انخفاض الأموال المتاحة لشراء سلع أخرى، ما يُؤدّي إلى خنق الإنفاق الاستهلاكي على نطاق أوسع.

ومع سيطرة تغير المناخ وإضعاف غلّة المحاصيل، فمن المرجّح أيضا أن تلجأ الحكومات إلى سياسات الحماية التي يمكن أن تُؤدّي إلى تفاقم التأثير التضخمي. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، فرض رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، قيودا على تصدير أصناف الأرز الأبيض المكسور وغير البسمتي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

وهناك حاجة ملحّة إلى أدوات تُنفّذها السلطات المالية والصناعية للتحكم في التضخم والتعامل مع الضغوط الناجمة عن تغير المناخ، والتي تشمل التحكم في الأسعار، وتقديم إعانات الدعم المستهدفة، وتشديد سياسات المنافسة وإجراءات مكافحة الاحتكار لمنع الشركات ذات الحصّة السوقية الكبيرة من التربّح المبالغ فيه خلال فترات التضخم.

المصدر: فاينانشال تايمز