التغير المناخي يُفاقم التضخم العالمي

Jul 05, 2024

ارتفع سعر زجاجات زيت الزيتون ذات العلامات التجارية التي يتفق الجميع على أنها الأفضل والأرخص على الإطلاق، لتصبح ضعف التكلفة المعتادة، وهذا مجرد مثال آخر على التضخم الذي يصعب استيعابه.

ووفقا للاقتصاديين، فإن السبب وراء ارتفاع الأسعار، والذي سيصبح أكثر تأثيرا في السنوات المقبلة، هو تغير المناخ. وهذا هو الحال، إذ أن كل شهر -حتى الآن- هذا العام هو الأكثر سخونة على الإطلاق، ومن المرجّح أن يكون يونيو المنصرم، الذي شهد موجة حرّ شديدة في معظم أنحاء العالم، قد سجّل رقما قياسيا آخر. وفي شهر مارس الماضي، توصّلت دراسة، أجراها علماء في البنك المركزي الأوروبي ومعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة من الممكن أن يضيف ما يصل إلى 1.2% إلى التضخم العالمي السنوي بحلول عام 2035.

وقد بدأت التأثيرات تتشكّل بالفعل، فالجفاف في أوروبا آخذ في التفاقم، ما أدّى إلى تدمير محصول الزيتون، وتتسبّب الأمطار الغزيرة والحرارة الشديدة في غرب إفريقيا في تلف مزارع الكاكاو، كما أن حرائق الغابات والفيضانات وكوارث الطقس المتكررة تُؤدّي إلى ارتفاع تكاليف التأمين أيضا.

ومع تسبّب انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البشري في إحداث فوضى كوكبية، يتوقّع الباحثون المزيد من التأثيرات الاقتصادية، ما يُؤدّي إلى زيادات في الأسعار، ويزيد من مخاطر التضخم الأطول أجلا، خاصة مع تزايد تواتر موجات ارتفاع الحرارة، وسيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى خلق ظروف لا تطاق للمحاصيل والعمال، وستؤدي العواصف الشديدة وفترات الجفاف الطويلة إلى الإضرار بسلاسل التوريد وتعطيل تدفق التجارة، كما أن تزايد المخاطر وعدم اليقين سيجعل من الصعب تأمين كل شيء، بدءا من المنازل وحتى المشاريع التجارية الجديدة.

وتُفيد بيانات صندوق النقد العالمي أن السعر العالمي لزيت الزيتون بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق هذا العام، ففي أوائل عام 2023، تداخلت ظروف الشتاء الدافئة مع قدرة الأشجار على الإنتاج، حيث سقطت حبات الزيتون القليلة قبل أن تنضج، مع استنزاف الهواء الحارّ للرطوبة من النباتات والتربة، ما أدّى إلى إغراق جزء كبير من القارة في الجفاف وتسبّب في ذبول النباتات وموتها.

وتُظهر الدراسات أن درجات الحرارة المرتفعة، التي تسبّب بها تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري، أدّت إلى خفض إنتاج زيت الزيتون إلى ما يقرب من نصف المستويات المعتادة عالميا، وفقا لوزارة الزراعة الأميركية.

وأصبح هذا النقص محسوسا في متاجر البقالة في جميع أنحاء الكوكب، حيث أن الغذاء من بين السلع الأكثر عرضة للخطر، والذي يمكن أن يتأثّر بارتفاع الأسعار بسبب المناخ، إذ تفقد النباتات المزيد من الماء من خلال أوراقها، وتتوقف عن تكوين الزهور والفاكهة، وفي النهاية تُصبح غير قادرة على القيام بعملية التمثيل الضوئي. كما أن المحاصيل والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك حسّاسة بشدّة للتغيرات في بيئاتها.

وقال جيري نيلسون، الخبير الاقتصادي الزراعي في جامعة إلينوي، إن عواقب تغير المناخ ستصبح أكثر تواترا وشدّة، مشيرا إلى الكاكاو، الذي سجّلت أسعاره أرقاما قياسية هذا العام، باعتباره محصولا يمكن أن يكون أكثر عرضة وبشدّة لارتفاع درجات الحرارة في المستقبل، إضافة إلى أن درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة الشديدة في غرب إفريقيا تجعل عمل المزارعين خطيرا.

وتتوقّع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الكوارث المناخية ستضرب بشكل متزايد مناطق زراعية متعددة في نفس الوقت، ما يُؤدّي إلى نقص في الغذاء في جميع أنحاء العالم. ووجدت إحدى الدراسات أن خطر فساد المحاصيل المتزامن في مناطق زراعة الذرة الرئيسية يُمكن أن يزيد من 6% سنويا في العقود الأخيرة إلى 40% إذا ارتفعت درجة حرارة العالم إلى 1.5 درجة مئوية فوق درجات حرارة ما قبل الصناعة، وهو حدّ من المرجّح أن يتجاوزه الكوكب خلال العقد المقبل.

وفي دراسة أخرى لسلوك أسعار المواد الغذائية خلال الأحداث المناخية المتطرفة، رصد الباحثون تغييرات في مؤشرات أسعار المستهلك في 121 دولة مقابل بيانات درجات الحرارة الشهرية على مدى العقود الثلاثة الماضية، إذ وجدوا أنه مقابل كل درجة مئوية واحدة فإن تضخم أسعار المواد الغذائية سيزيد بنحو 0.2% على مدار العام التالي.

وبحلول عام 2035، يُمكن أن يُؤدّي تغير المناخ إلى زيادة التضخم السنوي في أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 3.2%، وهو رقم يتجاوز هدف التضخم الإجمالي البالغ 2% الذي حدّدته العديد من البنوك المركزية، بما في ذلك البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

بقلم: سارة كابلان وراشيل سيجل، ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آنذ سينديكيشن» – الاتحاد