هل يتحول المتوسط إلى بحر استوائي مع نهاية القرن؟

Jun 28, 2024

حذّرت دراسة جديدة من أن استمرار الاحتباس الحراري بالوتيرة الحالية قد يؤدي إلى استيلاء الأنواع الاستوائية على أجزاء من النظم البيئية البحرية في البحر الأبيض المتوسط بحلول نهاية القرن.

وللوصول إلى هذه النتائج، قام فريق دولي من الباحثين بتحليل سجل أحفوري يُوضّح كيف حلّت الرخويات الاستوائية محل أنواع من الكائنات المستوطنة في البحر الأبيض المتوسط خلال فترة احترار حدثت بين العصرين الجليديين الأخيرين، ما يُشير إلى أن التحوّلات الجذرية للتنوع البيولوجي التي حدثت كانت مدفوعة بتغيرات مناخية.

وفي بداية تلك المرحلة الدافئة بين العصور الجليدية قبل نحو 135 ألف عام، ارتفعت درجة حرارة الأرض ما بين 0.5 و1.5 درجة، وهو ارتفاع مشابه للاحترار الذي تعيشه الأرض اليوم، إذ تُشير التقديرات إلى أن متوسط الاحترار العالمي بلغ بالفعل نحو درجة واحدة مئوية، وذلك في الوقت الذي تتوقّع فيه السيناريوهات المناخية المعتدلة ارتفاع درجة حرارة العالم بين 2.5 و2.9 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل الثورة الصناعية بحلول نهاية القرن، وفقا لتقرير للأمم المتحدة عن فجوة الانبعاثات، الصادر في نوفمبر 2023.

وأظهرت البيانات الخاصة بتلك الفترة الدافئة الغابرة أن البيئة البحرية المتوسطية اتّسمت بتنوع في الكائنات البحرية مطابق تقريبا لما هو عليه في الوقت الحاضر، لكن الباحثين لاحظوا أن السجل الأحفوري يكشف عن آثار لوجود أنواع من كائنات بحرية موطنها الأصلي غرب إفريقيا كانت تقطن فيما ما مضى البحر المتوسط لكنها تراجعت إلى داخل الحزام الاستوائي خلال العصر الجليدي الذي تلا تلك الفترة.

ومن خلال تضمين بيانات توزيع الأنواع على نطاق زمني واسع واستغلال السجل الأحفوري للرخويات البحرية، تمكن الباحثين من دراسة احتمال انتقال الكائنات الحية الاستوائية التي تعيش حاليا في المحيط الأطلسي إلى البحر الأبيض المتوسط وتحديد توقيت حدوث هذا الغزو في ضوء السيناريوهات المستقبلية للمناخ، وركّز الباحثون في دراستهم على مدى ملاءمة البحر الأبيض المتوسط للأنواع الاستوائية في غرب إفريقيا.

وقارن الباحثون بيانات السجل الأحفوري للرخويات البحرية التي عاشت في المتوسط مع بيانات المناخ، في نموذج محاكاة لتوقّع توقيت غزو الكائنات الحية الاستوائية في المحيط الأطلسي إلى البحر المتوسط.

وتُشير النتائج التي توصّلوا إليها إلى أن ظاهرة الاحتباس الحراري الحالية ستؤدي إلى تسرّب الكائنات الاستوائية من مياه الأطلسي قبالة السواحل الشمالية الغربية لإفريقيا إلى البحر الأبيض المتوسط، ما قد يُحوّله إلى بحر استوائي في أسوأ السيناريوهات.

وقال معدّو الدراسة إن ما يمنع الكائنات الاستوائية حاليا من الانتقال إلى المتوسط عبر مضيق جبل طارق هو حاجز من الماء البارد تشكّل نتيجة تيار الشمال الأطلسي، ويدفع بانتظام مياه قاع المحيط الباردة إلى السطح على طول 2000 كيلومتر في المحيط الأطلسي قبالة الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا.

ومع اقتراب درجات الحرارة العالمية من درجات حرارة الفترة ما قبل العصر الجليدي الأخير، يتوقّع العلماء أن يَضعف هذا الحاجز، ما يسمح بإعادة غزو الأنواع الاستوائية في غرب إفريقيا إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث ستحدث تغيرات جذرية في النظام البيئي البحري.

كما تُشير توقّعات الدارسة إلى أنه في ظلّ الظروف البيئية الحالية، ستكون القطاعات الجنوبية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط مناسبة لاستيطان الأنواع الاستوائية النموذجية بحلول منتصف القرن الحالي، لا سيما الجرف الضحل في شمال إفريقيا الذي لا يزيد عمقه عن 50 مترا، والممتد من خليج قابس في تونس إلى الشواطئ الجنوبية والشرقية للمتوسط.

وبنهاية القرن الحالي، ستكون 30% من مساحة المتوسط بيئات مناسبة لاستيطان أنواع استوائية، مثل بطنيات الأقدام تي لاتوس (T. latus)، وهي رخويات كبيرة استوطنت البحر الأبيض المتوسط في الفترات الدافئة ما بين العصر الجليدي، في الوقت الذي تُؤكّد فيه العديد من الدراسات تعرّض العديد من الكائنات البحرية المتوسطية الحالية إلى خطر الانقراض نتيجة الاحترار الذي تشهده الأرض.

ولا يبدو الوضع في شرق المتوسط بمنأى عن هذه التغيرات الناتجة عن الاحترار، فقد أشارت بعض الدراسات السابقة إلى أن تحوّلا بيولوجيا واسع النطاق يجري بالفعل في أقصى الطرف الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وخاصة على طول الجرف الساحلي الضحل قرب سيناء والأراضي الفلسطينية، وهي واحدة من المناطق البحرية الأكثر دفئا والأسرع احترارا.

وقال الباحثون إن الأنواع الاستوائية من المحيط الهادي بدأت في استيطان هذا الجزء من البحر الأبيض المتوسط منذ بناء قناة السويس، حيث كانت تسبح وتتنقل شمالا عبر الممر المائي الذي يبلغ طوله 193 كيلومترا.

وقدّر العلماء أن ما لا يقل عن 1000 نوع هاجر بالفعل إلى البحر الأبيض المتوسط بهذه الطريقة، بما في ذلك عدة أنواع من قريدس المحيط الهادي والمحار الفارسي.

ووفقا للدراسة، فإن هذه العملية ستؤدي إلى تشكيل نظام بيئي بحري جديد في المتوسط لم يسبق له مثيل من قبل إذا استمر ارتفاع درجات الحرارة دون رادع حتى نهاية القرن، والذي من شأنه أن يُدمّر كذلك معظم النظم البيئية للمحيطات خاصة في المناطق الاستوائية.

المصدر: مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم