البتراء في مواجهة التغيرات المناخية

Jun 26, 2024

المشاهد الجميلة في مدينة البتراء الوردية في الأردن تتبخّر!، فمنذ أن بدأ تغير المناخ قبل 40 عاما، جعل الجفاف الزراعة المحلية غير مستقرة، كما أدّى تغير المناخ إلى زيادة تواتر الفيضانات المفاجئة، ما يُهدّد الآثار القديمة والمجتمعات المحلية.

وسرّعت التقلّبات الشديدة في درجات الحرارة من تآكل واجهات الحجر الرملي التاريخية المنحوتة في ذروة الإمبراطورية الرومانية. ووفقا لخبراء، فإن تأثير تغير المناخ في مدينة البتراء واضح جدا، إذ شهدت تغيرات عديدة بسبب الفيضانات المفاجئة.

وسعيا لحماية البتراء، فقد قرّر حرّاس المدينة اللجوء إلى الحلول القديمة، بما في ذلك التقنيات التي استخدمها الأنباط في بناء حضارتهم، التي خلّفت هذه التُّحفة المعمارية المنحوتة في قلب الجبال الصحراوية.

التكيّف مع الفيضانات

تُحيط الجبال بمدينة البتراء على شكل وعاء، ويتفاوت ارتفاعها، في الموقع الشاسع الذي تبلغ مساحته 100 ميل مربع، بأكثر من 3000 قدم. وعندما تهطل الأمطار في المنطقة، يتدفق الماء سريعا، ما يُؤدّي إلى حدوث فيضانات مفاجئة كارثية، بل ومُميتة في بعض الأحيان.

وتُظهر الأبحاث أن الأنباط لم يسلموا من الفيضانات والجفاف، إذ عمل علماء الآثار عقودا في تتبع الطرق التي كان الأنباط يديرون بها المياه في المنطقة، واكتشفوا أن مهندسي الأنباط توصلوا إلى نظام مُتداخل من المدرجات والسدود الصغيرة لحماية البتراء من الفيضانات، والذي يُوجّه الماء عبر العديد من الوديان والأودية، حيث تُبطّئ السدود تدفق الماء وتُوجّهه إلى برك التخزين، بينما كانت المدرجات تمتصّ الماء وتُوفّر مساحة لزراعة المحاصيل.

وبمجرد انهيار مملكة الأنباط في القرن الرابع الميلادي، تعرّض هذا النظام المذهل لإهمال شديد وتدهورت حالته للغاية، إذ تجاهل الباحثون أمر السدود منذ آلاف السنين، وركّزوا على الهندسة المعمارية الأخّاذة المنحوتة في منحدرات أودية البتراء.

حل قديم لمشكلة حديثة

وتُعد خطط إحيائه جزءا من توصيات مشروع تُموّله جمعية ناشيونال جيوغرافيك لمساعدة البتراء ومواقع التراث الثقافي الأخرى حول العالم على التكيّف مع التغيرات المناخية.

ويهدف مشروع “حفظ التراث” إلى مساعدة المجتمعات في حماية مواقعها التراثية من تبعات التغير المناخي، حيث تقول فيكتوريا هيرمان، رئيسة المشروع والمستكشفة في ناشيونال جيوغرافيك، “نبني النماذج المناخية المحلية ونتحدث مع قادة المجتمع المحلي لمعرفة العناصر الأكثر حاجة للإنقاذ”.

وتُعد هذه المساعي بالغة الأهمية، فمع التغيرات العديدة والمتواترة في المناخ، أصبحت الكوارث المناخية أكثر تكرارا وتوقّعا، خاصة مع زيادة معدل هطول الأمطار الغزيرة في المنطقة بنسبة تُقدّر بنحو 40% بحلول عام 2050.

وأضافت هيرمان “لطالما كانت الفيضانات جزءا من واقع البتراء، ولكن حدّتها ستزداد في السنوات المقبلة، وهذا ليس الخطر الوحيد الذي يجب على حرّاس البتراء الاستعداد له، إذ ستتعرّض بساتين القمح والفاكهة المتبقية لخطر الفيضانات. وفي حدود نظامها البيئي الصحراوي، ستتعرّض لمزيد من الضغط بسبب الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة ارتفاعا مطردا وزيادة تواتر موجات الحرّ. ومن المتوقع أيضا أن تزداد العواصف الرملية من حيث الحجم والتكرار والشدّة، ما قد يُؤدّي إلى تآكل واجهات الحجر الرملي في البتراء”.

التكيّف باستخدام “حكمة القدماء”

ونفّذت السلطات الإدارية في مدينة البتراء برامج مكثّفة للتدريب على الإخلاء للتأكّد من استعداد الموظفين لمواجهة الفيضانات عند حدوثها، إذ يتتبّع نظام الإنذار الرقمي مستوى هطول الأمطار ويُطلق إنذارا عندما تكون الظروف مهيأة لحدوث الفيضانات.

وقد آتت هذه الاستعدادات ثمارها خلال الفيضانات التي ضربت الموقع في أواخر عام 2022، حيث تم إجلاء 1700 سائح وموظف من البتراء في غضون ساعات، دون الإبلاغ عن وقوع أية إصابات.

وقالت هيرمان “يستخدم أبناء اليوم دروس الماضي للتكيّف مع الظروف القاسية التي يحملها المستقبل. هناك حكمة قديمة مُدمجة فعليا في البتراء”، مضيفة “إلى جانب الحلول الحديثة، يتمتّع نظام إدارة المياه التابع للأنباط بأكبر إمكانات لتكييف البتراء مع الفيضانات المفاجئة”.

وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، عمل أفراد من المجتمع المحلي على تنظيف وإصلاح السدود والمدرجات القديمة لإزالة الطين والصخور التي تتراكم خلال موسم الأمطار، ما يخلق فرص عمل للسكّان المحليين، وفي الوقت ذاته يُسهم في حماية مدينة البتراء.

المصدر: ناشيونال جيوغرافيك