التحول في مجال الطاقة في سياق أزمة المناخ

Jun 25, 2024

برزت اتفاقية باريس، الموقّعة في عام 2015 خلال مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين (كوب21)، كاستراتيجية عالمية لمواجهة خطر تغير المناخ من خلال جهود التنمية المستدامة والقضاء على الفقر. ويتمثل أحد الالتزامات الرئيسية في الاتفاقية بالحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

وتماشيا مع هذه الاستراتيجية، تنص خطة الأمم المتحدة لعام 2030، من خلال أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، على الهدف 7 من أهداف التنمية المستدامة لضمان حصول الجميع على طاقة حديثة وموثوقة ومستدامة وميسورة التكلفة.

وتُشير بيانات الوكالة الدولية للطاقة (IEA) إلى أن قطاع الطاقة مسؤول عن أكثر من 75% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. علاوة على ذلك، تُؤكّد الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) على أنه يجب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحقيق صافي انبعاثات صفرية في قطاع الطاقة بحلول عام 2050، وذلك للحدّ من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، ويتطلب هذا زيادة كبيرة في حصّة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي من 16% في عام 2020 إلى 77% في عام 2050، واستثمارات إجمالية تُقدّر بـ150 تريليون دولار أمريكي، بمتوسط سنوي يزيد عن 5 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يُمثّل حوالي أربعة أضعاف المستوى الحالي من الاستثمار.

ومع ذلك، يُظهر المشهد العالمي تفاوتا واضحا في إمكانية الوصول إلى الطاقة النظيفة والقدرة على تحمل تكاليفها. كما لا يزال الاستثمار في الطاقة المتجددة يتركّز في عدد محدود من البلدان ضمن مجموعة ضيقة من التقنيات، إذ يستفيد أقل من 50% من سكّان العالم من 85% من الاستثمارات العالمية.

وقدّم مؤتمر (كوب28)، الذي عُقد في دبي في أواخر عام 2023، أول تقييم عالمي لاتفاقية باريس، وخلص إلى أن الأنشطة البشرية، من خلال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المقام الأول، تسبّبت في ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 1.1 درجة مئوية. هذه التأثيرات محسوسة بالفعل على مستوى العالم، وتُؤثّر بشكل غير متناسب على أولئك الذين ساهموا بأقل قدر في هذه التغيرات، مع توقّعات بتصاعد الخسائر والأضرار مع زيادة الاحترار. بالإضافة إلى ذلك، فإن استجابة التكيّف مجزأة وتدريجية ومتفاوتة بين المناطق، مع وجود فجوات كبيرة مستمرة في الاتساع.

وفي ضوء الالتزامات المُلزمة التي تعهّدت بها الدول، والمستويات المقلقة لانبعاثات قطاع الطاقة، والآثار المتزايدة لتغير المناخ، أكّد المؤتمر على الحاجة الملحّة لاتخاذ إجراءات حاسمة للحفاظ على هدف الحدّ من الاحتباس الحراري، وهو ما يتطلب بذل جهود مشتركة للتخفيف من حدّة الأزمة، والانتقال إلى اقتصادات منخفضة الكربون، وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة آثار أزمة المناخ.

إن التحوّلات العادلة والشاملة في مجال الطاقة ضرورية للحدّ من الانبعاثات، وكذلك حتمية الاستثمار العام والخاص على حد سواء، إذ تضطلع المؤسسات العليا لمراجعة الحسابات (INTOSAI) بدور حاسم في دعم التحوّلات العادلة في مجال الطاقة. كما يمكننا المساهمة في تعزيز الهياكل المؤسسية، وتعزيز بيئة مواتية للاستثمار والسياسات العامة الفعّالة، وضمان الشفافية والمساءلة من خلال تقييم نزاهة وكفاءة وفعّالية السياسات المتعلقة بعمليات انتقال الطاقة. ويشمل ذلك تعزيز المؤسسات والممارسات التنظيمية، والتخفيف من المخاطر المالية، والإشراف على المبادرات الرامية إلى زيادة الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة، لا سيما في البلدان النامية والاقتصادات الناشئة.

وقد أكد البحث الأخير، الذي أجراه الفريق العامل المعني بمراجعة حسابات الصناعات الاستخراجية التابع لمنظمة المؤسسات العليا لمراجعة الحسابات (INTOSAI)، والذي شمل 25 بلدا، على التحديات الرئيسية التي تواجهها المؤسسات العليا في إجراء عمليات مراجعة الحسابات المتعلقة بالتحوّل في مجال الطاقة، إذ تُدرك معظم المؤسسات العليا محدودية قدرتها التقنية على مواجهة تحديات التحوّل في مجال الطاقة بسبب نقص الفرق المؤهلة ومحدودية البيانات وغياب المنهجيات المحددة. ولذلك، يجب علينا تعزيز خبراتنا الفنية لدعم حكوماتنا بفعّالية من خلال رؤى وتوصيات تتماشى مع الأهداف المناخية، وبالتالي تعزيز التنمية المستدامة والتعاون العالمي.

بقلم: برونو دانتاس – مجلة إنتوساي