يجب إبقاء الانحباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية

Jun 17, 2024

إن العالم يحترق، ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات تدق ناقوس الخطر، يبدو أن عدد الأشخاص الذين يعتقدون أنه لا يزال من الممكن الحدّ من الانحباس الحراري العالمي بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، بدأ يتراجع بسرعة.

ونظرا لإخفاق الحكومات في الوفاء بمسؤولياتها بموجب اتفاق باريس للمناخ، فإن فرص إبقاء درجات الحرارة العالمية في مستويات أقل من 1.5 درجة مئوية قد اختفت بسبب عدم اتخاذ ما يكفي من الإجراءات اللازمة. وفي حين أعلن بعض المعلّقين البارزين أن هدف 1.5 درجة مئوية “مستحيل تماما”، فقد توصّلتُ إلى نتيجة مغايرة وهي أن الهدف المحدّد في 1.5 درجة مئوية لن يتعذّر تحقيقه أبدا، بالرغم من أن العالم في حالة يُرثى لها، إذ تسبّبت انبعاثات الغازات الدفيئة في ارتفاع حرارة الكوكب بنحو 1.3 درجة مئوية، وفقا للتقرير السنوي عن مؤشرات تغير المناخ العالمي الصادر هذا العام.

وتُظهر الدراسات، بما في ذلك دراستي، أن الأهداف المناخية الحاسمة لم تُحقّق. وفي ظلّ السياسات الحالية، من المتوقّع أن ترتفع درجات الحرارة العالمية بمعدل 2.5 إلى 3 درجات مئوية بحلول نهاية هذا القرن. وحتى لو أوفت الحكومات بجميع تعهداتها المناخية الحالية، فإن احتمالات عدم استقرار الانحباس الحراري العالمي في مستويات أقل من 1.5 درجة مئوية قوية.

إضافة إلى هذا، فإن أساليب المماطلة التي تنتهجها شركات الوقود الأحفوري، بما في ذلك “الغسل الأخضر” لممارساتها التجارية الملوّثة، وتراجعها الأخير عن أهداف الانبعاثات التي فرضتها على نفسها، فسيتضح تماما أن فرصنا في البقاء عند مستوى أقل من 1.5 درجة مئوية ضئيلة بالفعل. لذا، يتوقّع علماء المناخ أن تتجاوز بكثير ظاهرة الاحتباس الحراري حدود 1.5 درجة مئوية.

وكما لا تختفي المخاطر عندما يتم تجاوز حدود الأمان، فإن التزامات اتفاق باريس بخصوص المناخ لا تُلغى بمجرد تجاوزنا لـ1.5 درجة مئوية. وفي حين أن ارتفاع درجة الحرارة بمعدل 1.5 درجة مئوية يُشكّل هدفا سياسيا، إلا أنه لم يكن قرارا اعتباطيا، بل اتُخذ استنادا إلى معلومات علمية، أيّدته في البداية الدول الجزرية الصغيرة، ثم دعمه في وقت لاحق تحالف يضم عددا كبيرا من الدول الطموحة.

والآن، أصبح يتضح للعديد من الحكومات أن السماح لظاهرة الانحباس الحراري العالمي بتجاوز 1.5 درجة مئوية ينطوي على مخاطر مجتمعية غير مقبولة، ويقوّض التنمية، ويُشكّل تهديدا وجوديا للمجتمعات الضعيفة وثقافاتها. وفضلا على ذلك، أصبح الخط الفاصل بين الانحباس الحراري “الآمن” و”الخطير” غير واضح على نحو متزايد. كما تُظهر الآثار المدمّرة لتغير المناخ في جميع أنحاء العالم أن معدل 1.5 درجة مئوية بحدّ ذاته يُشكّل خطرا، ومجتمعاتنا غير مستعدة لمواجهته.

وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، واجهنا التحديات الناجمة عن عالم ارتفعت حرارته بنحو درجة مئوية واحدة، ولم تنج أي منطقة من الآثار المترتبة عن هذا الارتفاع، حيث يواجه عدد متزايد من البلدان الحرائق والفيضانات والعواصف، ما يُسفر عن تكاليف بشرية ومالية مدمّرة تمتد خارج الحدود الوطنية. وبين عامي 2000 و2019، أودت الكوارث المناخية بحياة أكثر من نصف مليون شخص، وتسبّبت في أضرار تُقدّر بأكثر من 2 تريليون دولار، وأثّرت على ما يقرب من أربعة مليارات شخص في جميع أنحاء العالم.

وحتى مع ارتفاع درجات الحرارة بمعدل 1.5 درجة مئوية، يواجه ما يصل إلى واحد من كل سبعة أنواع خطر الانقراض، وتتعرّض النظم البيئية الحيوية مثل الشعاب المرجانية الاستوائية للدمار، وسوف تحدث موجات الحرارة الشديدة التي شهدها أجدادنا مرة واحدة في العمر بمعدل مرة واحدة كل ست سنوات. وسوف تتسبّب قرون من ذوبان الجليد في ارتفاع مستويات سطح البحر، ما سيؤدي إلى إغراق المدن الكبرى مثل لندن، ونيويورك، وشانجهاي، وكولكوتا. وسوف تُقوّض الجهود التي تبذلها المجتمعات الضعيفة والمهمّشة للهروب من الفقر، وستواجه البلدان عراقيل تُعوّق تنميتها الاقتصادية. لذا، فإن الحدّ من الانحباس الحراري العالمي مسألة تتعلق بالعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والتنمية الطويلة الأجل، وتظلّ هذه الحتمية قائمة حتى لو تجاوزنا عتبة 1.5 درجة مئوية.

وفي حين أن تجاوز 1.5 درجة مئوية سيكون له عواقب سياسية لا يمكن التنبؤ بها، مع زيادة مطالبات التعويض عن الأضرار المرتبطة بالمناخ والتي يمكن تفاديها، فإن الآثار السياسية المترتبة على الحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة ما زالت متسقة مع ما حدده اتفاق باريس بالفعل. ولِوقف الانحباس الحراري العالمي، يتوقع اتفاق باريس من البلدان أن تُنفّذ خطط خفض الانبعاثات.

ومع أن الحكومات أخفقت في تحقيق هذا الهدف، فإن تجاوز 1.5 درجة مئوية لا يُغيّر مسؤولياتها، والواقع أن الوفاء بهذه الالتزامات سوف يزداد أهمية مع استمرار درجات الحرارة في الارتفاع، والسبيل الوحيد لتعزيز فرصنا في الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة في مستويات قريبة من 1.5 درجة مئوية هو التعهّد بوضع تدابير أكثر طموحا فيما يتعلق بخفض الانبعاثات في الأمد القريب، وتنفيذها، وذلك كل عام حتى عام 2035.

وحتى لو لم نتمكن من عدم تجاوز 1.5 درجة مئوية، فإن هذا الهدف يظلّ قائما، إذ أن كل جزء من الدرجة له أهميته، لذا يجب أن تُركّز جهود المناخ العالمية على الحدّ من تجاوز 1.5 درجة مئوية والعودة إلى المستويات الآمنة في أسرع وقت ممكن. ومن الممكن أن يساعد هدف اتفاق باريس المتمثّل في تحقيق صافي انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية إلى الصفر، بصورة خاصة، في عكس الانحباس الحراري الزائد إلى حدّ ما.

ومن أجل الحفاظ على كوكب آمن وصالح للعيش وعادل، يتعيّن أن نضع نُصب أعيننا معدل 1.5 درجة مئوية، ونضمن أن يظلّ السعي لتحقيق هذا الهدف على رأس أولوياتنا.

بقلم: جويري روجيلج – جريدة عُمان