هل يضرب الجفاف الكبير قارتي أوروبا وأميركا الشمالية قريبا؟

Jun 14, 2024

توصّل فريق بحثي، بقيادة علماء من جامعة بريستول، إلى أن انخفاض تساقط الثلوج في شمال كوكب الأرض، وبشكل خاص قارتي أوروبا وأميركا الشمالية، سيغير من أنماط تدفق المياه في الأنهار، ما يزيد من فرص نقص المياه في الصيف، وهو الأمر الذي يفتح الباب لموجات جفاف ستكون هائلة في بعض الأحيان.

ويُعرّف الجفاف بأنه فترة ممتدة من الطقس الجاف بشكل غير عادي، وتتميز بنقص في هطول الأمطار، ما يؤدي لمشكلات كبرى في النظم البيئية والزراعة وبالتبعية في الأنشطة البشرية.

ويمكن أن يؤدي الجفاف إلى فقدان التنوع البيولوجي، وزيادة حرائق الغابات، وتآكل التربة، والتصحّر، وبالطبع انخفاض الإنتاجية الزراعية، ونقص المياه اللازمة للصناعات، وزيادة تكاليف إمدادات المياه وإنتاج الغذاء، ما يُؤثّر بشكل عام في اقتصاد الدول.

وبحسب الدراسة، التي نُشرت في دورية نيتشر العلمية، ركّز الفريق على القمم الثلجية لجبال روكي بأميركا الشمالية وجبال الألب الأوروبية، حيث تتساقط الثلوج على تلك القمم في الشتاء، ومع قدوم الربيع يذوب بعضها لتجري المياه إلى أسفل وتغذي الأرض بالخصوبة والكائنات الحية من نبات وحيوان وبشر.

وفحص فريق الدراسة سجّلات سقوط الثلوج في تلك المناطق، وحلّل بيانات المناخ وتدفّق المياه لأكثر من 3000 حوض نهري عبر نصف الكرة الأرضية الشمالي في الفترة من 1950 إلى 2020، وتبيّن أن تغير المناخ يُخفّض من كميات الثلوج الساقطة، وبالتالي كمية المياه في الأنهار، ما يرفع من احتمالات حدوث جفاف في الصيف تحديدا.

ووفقا للدراسة، فإنه في كل سنة من البيانات، يحسب الباحثون نسبة هطول الأمطار المتساقطة على شكل ثلوج، والتوقيت الموسمي لهطول الأمطار وتدفّق الأنهار، ويقارنون بعد ذلك هذه المؤشرات مع السنوات العشر السابقة.

ومن خلال هذه المقارنة، تبيّن أن عدم اليقين بشأن المستقبل، أي احتمالية أن تتطرف الأجواء في أي سنة من السنوات لدرجة موجات جفاف كبيرة، ازداد في الفترة الأخيرة، ومن المتوقع أن يزيد مستقبلا.

وتأتي تلك النتائج في سياق تأكيدات بحثية تصدر بوتيرة متصاعدة تربط بين التغير المناخي الذي تشهده الأرض حاليا وارتفاع وتيرة وشدّة موجات الجفاف.

ويحدث ذلك لأن تغير المناخ يؤدي إلى ارتفاع متوسط درجة الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى تبخر المزيد من الماء من السطح والتربة، وهذا بالتبعية يقلّل من كمية المياه المتاحة للنباتات والحيوانات والأنشطة البشرية، فيخلق حالة الجفاف.

وإلى جانب ذلك، يمكن لموجات الحرّ التي يغذيها تغير المناخ أن تُجفّف التربة، ويؤدي ذلك بالتبعية إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء بشكل أسرع، ما يؤدي إلى تكثيف الحرارة، وبالتالي يزيد الطلب على المياه أثناء الطقس الحارّ من الضغط على إمدادات المياه.

ومن المتوقع أن يكون لهذه العلاقة بين تغير المناخ والجفاف تأثير طويل المدى، فمنذ عام 2000، على سبيل المثال، واجه الجزء الغربي من الولايات المتحدة بعضا من أكثر موجات الجفاف شدّة على الإطلاق، ويشهد جنوب غرب الولايات المتحدة على وجه الخصوص فترة غير مسبوقة من الجفاف الشديد حاليا.

وفي دراسة أخرى، صادرة من جامعة كامبردج في عام 2021، ظهر أن موجات الجفاف في أوروبا منذ عام 2015 كانت أكثر حدّة من أي فترة أخرى خلال الـ2100 سنة الماضية، والسبب في ذلك كان التغير المناخي الذي يتسبّب فيه الإنسان.

وتوصّل فريق بحثي، بقيادة علماء من معهد ماكس بلانك لعلوم الطقس، إلى أن موجات الجفاف الكبرى الشديدة، التي تمتد الواحدة منها لأكثر من خمس سنوات، ستصيب قارة أوروبا في وقت أبكر من نهاية هذا القرن، على عكس توقّعات العلماء سابقا. كما وجد الباحثون أن نوبات متزامنة من الموجات الحارّة والجفاف الشديد يمكن أن تحدث بشكل كثيف في أوروبا بحلول الفترة من 2050 إلى عام 2075.

وتفرض نتائج الدراسة الجديدة تحديات كبيرة أمام تخطيط وإدارة موارد المياه في دول قارتي أميركا الشمالية وأوروبا، إذ يجب تطوير استراتيجيات جديدة وعاجلة للتكيّف مع هذه التقلّبات المتوقّعة مستقبلا.

ويأتي ذلك في سياق تباطؤ عالمي في الاتفاق على سياسات حاسمة للحدّ من نفث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو الأمر الذي تتفق معظم الأعمال البحثية على دوره الرئيسي فيما يشهده كوكب الأرض حاليا من احترار.

المصدر: دورية نيتشر