الصفقة الخضراء والسياسة الخارجية

Jun 05, 2024

بما أننا على موعد مع انتخابات البرلمان الأوروبي قريبا، سيكون مستقبل الصفقة الخضراء محور اهتمام ونقاش مهمّين. ففي السنوات الخمس الماضية، حدّد الاتحاد الأوروبي تغير المناخ باعتباره التحدي الرئيسي في عصرنا، وشرع في رحلة تحوّل الطاقة بهدف قيادة المسار العالمي.

وعلى الرغم من وباء كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية، فإن العملية التشريعية أحرزت تقدما واضحا مع تزايد الطموحات الخضراء للاتحاد، وهو ما يتضح جليا من الموارد الإضافية المستثمرة في عملية إزالة الكربون والكهرباء ورفع سقف الأهداف.

وعلى المستوى الداخلي، تضمّنت الصفقة الخضراء مجموعة من القواعد التنظيمية التي يتعيّن مراجعتها، وأدوات وسياسات جديدة، حيث حدّدت اللجنة المنبثقة توسيع مصادر الطاقة المتجددة وتعزيز شبكات الطاقة بوصفها ركائز أساسية للعمل.

وفي ضوء ذلك، ينبغي للسلطة التنفيذية الجديدة تسريع عملية إزالة الكربون من توليد الطاقة، والعمل على توسيع البنية التحتية لشبكة الكهرباء وتحديثها ورقمنتها، مع ضرورة وجود نظام تمويل مخصّص لجهود التكيّف مع تغير المناخ، وتمكين المستهلكين من لعب دور رئيسي في أنظمة الطاقة.

أما على الصعيد الخارجي، فتمّ الاعتراف بالتأثير الكبير للصفقة الأوروبية الخضراء في عالم مترابط، ما يُؤثر على البلدان المنتجة للمواد الهيدروكربونية، وأنماط التجارة العالمية التي ينبغي أن تأخذ في الاعتبار بشكل متزايد عنصر الكربون في منتجاتها.

وفي الواقع، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي فصل صفقته الخضراء عن سياسته الخارجية، إذ أن عواقب ذلك سيتردّد صداها داخل وخارج حدوده، وهذا يعني أيضا أنه غير قادر على إزالة الكربون بنفسه في حين يفعل الآخرون ذلك، كما أنه يُخاطر بردود فعل عكسية داخلية وعزلة على المستوى الدولي.

لذا، فإن المفوضية الجديدة بحاجة إلى أن تظلّ ملتزمة بالحوار العالمي على أساس متعدد الأطراف، خاصة مع الولايات المتحدة والصين. وعلى الرغم من الأهمية الواضحة للعلاقات بين القوى العظمى الثلاث، فإن المفتاح الأساسي يتلخّص في تعزيز التكامل الأقوى بين احتياجات الطاقة العالمية والمناخ في بنية حكم عالمية أكثر شمولا.

كما ينبغي للعلاقات الثنائية والصغيرة أن تلعب دورا أقوى من خلال نوادي المناخ، على سبيل المثال، التي يمكن أن تُعزّز تحوّل الطاقة عبر المنافسة الإيجابية بين الاقتصادات. ولكي يتم تنفيذ تحوّل الطاقة بشكل آمن، فإنه يحتاج إلى النظر في آثاره على الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة داخل الحدود وخارجها.

وفيما يتعلق بالجانب الأخير، يجب على الاتحاد الأوروبي والقوى العظمى الأخرى زيادة دعمها المالي لتشجيع التحوّل في تلك البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ. وبوسعه أيضا أن يقود عملية إزالة الكربون على مستوى العالم مستفيدا من قوته التي ظلّت غير متأثرة بالأزمات السابقة، خصوصا قدرته على تنظيم الأسواق العالمية وتوسيع نطاق الاستثمار المستدام في الداخل والخارج.

ومع ذلك، فإن التشريعات الرئيسية التي تم طرحها في نهاية فترة ولاية فون دير لاين الأولى تُشير إلى التركيز على القدرة التنافسية الصناعية، وهو أمر بالغ الأهمية للرفاهية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة في أوروبا.

وبالتوازي مع ذلك، نشأت مقايضة معقّدة بالنسبة للقارة حول كيفية تحقيق التوازن بين إزالة الكربون، والاستقلال الاستراتيجي في سلاسل العرض الخضراء، والانضباط المالي، وهو أمر ينبغي لأعضاء المفوضية الجديدة التعامل معه. وكذلك لابد من إجراء نقاش أكثر استنارة حول كيفية تأمين أهدافنا المناخية في الوقت المناسب وبطريقة فعالة من حيث التكلفة.

كما ينبغي تجنّب الصدام مع القوى العظمى، أي الولايات المتحدة والصين، مع تسريع العمل في القطاعات الرئيسية، مثل الطاقة الشمسية والشبكات والبطاريات والمضخات الحرارية، إذ يمكن لأوروبا أن تكون قادرة على المنافسة دوليا، وجني فوائد مهمة من حيث تحوّل الطاقة والأداء الاجتماعي والاقتصادي، وإنشاء سلاسل توريد عالمية مستدامة.

وفي ضوء ذلك، تُشكّل المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الأعلى والمعايير غير السعرية عناصر أساسية يتعيّن على المفوضية الترويج لها لضمان قدرة أوروبا وشركاتها ومنتجاتها على المنافسة في السباق الانتقالي. وتنطبق المخاوف المتعلقة بالاستقلال الاستراتيجي أيضا على المواد الخام بالغة الأهمية، والتي تُشكّل عنصرا أساسيا في محاولة الاتحاد الأوروبي تطوير صناعة خضراء محلية قوية.

كما ينبغي على المفوضية الأوروبية المقبلة أن تُركّز على التعاون العلمي والتكنولوجي، وجهود اكتساب المهارات، كعامل حاسم ليس لتعزيز القدرة الصناعية في الداخل فحسب، بل لدعم التقدّم على مستوى العالم، خاصة في البلدان الشريكة. ولن يتسنّى للاتحاد لعب دور محوري في تنفيذ تحوّل الطاقة على نطاق عالمي إلا من خلال تعزيز التفوق التكنولوجي الأوروبي وتأمين مهارات العمّال.

وهناك مجموعة معقّدة من الإجراءات التي يتعين على المفوضية الأوروبية المقبلة اتخاذها، مع توافر كافة الإمكانيات اللازمة لوضع هذا النهج الطموح والحيوي موضع التنفيذ. وهناك أيضا حاجة إلى إطار متماسك وعادل لصالح المواطنين والشركات الأوروبية، فضلا عن إيجاد وسيلة أقوى لتعميم المناخ في النظام البيئي للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، من أجل تعزيز الدور العالمي للاتحاد الأوروبي في هذا المجال الاستراتيجي.

بقلم: مارغريتا بيانكي – معهد يوروآكتيف