هل يُعد الناتج المحلي مقياسا حقيقيا لتأثيرات تغير المناخ؟

May 29, 2024

في ظلّ التغيرات المناخية المتسارعة، يتزايد الاهتمام بتقييم تأثيرات الاحتباس الحراري على الاقتصاد العالمي، وغالبا ما يُستخدم الناتج المحلي الإجمالي (GDP) كمقياس رئيسي لهذه التأثيرات. فهل يُعد الـGDP فعلا المقياس الذي يمكن من خلاله فهم التأثيرات الأوسع لتغير المناخ على الاقتصاد العالمي بشكل دقيق وواضح؟

الناتج المحلي الإجمالي هو مقياس اقتصادي يُمثّل القيمة الإجمالية للسلع والخدمات التي يتم إنتاجها في بلد معين خلال فترة زمنية محددة.

ويُستخدم كأداة لقياس النمو الاقتصادي والتقدم. لكن مع تعقّد وتعدّد أوجه تأثيرات التغير المناخي، يبدو أن الاعتماد على الناتج المحلي الإجمالي وحده يكون قاصرا في تقديم صورة شاملة عن هذه التأثيرات.

ومن بين أبرز الإشكالات التي يُثيرها استخدام الـGDP في تقييم تأثيرات التغير المناخي، ما يرتبط بتجاهل التكاليف البيئية والاجتماعية، ذلك أنه قد لا يأخذ في الحُسبان التكاليف البيئية والاجتماعية المرتبطة بتغير المناخ، مثل تدهور الأراضي الزراعية وفقدان التنوع البيولوجي، وتزايد الكوارث الطبيعية، علاوة على عدم مراعاة الاستدامة، وتجاهل توزيع الثروات، وغيرها من الأمور.

وبالرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي يُعد مقياسا مهما للنشاط الاقتصادي، إلا أنه غير كاف لتقييم التأثيرات الواسعة لتغير المناخ على الاقتصاد العالمي، وثمّة حاجة إلى تبنّي مقاييس مُكمّلة أو بديلة تأخذ في الاعتبار الجوانب البيئية والاجتماعية والاستدامة، ما يُمكّن من فهم أعمق وأكثر شمولية لهذه التأثيرات.

وبذلك، يمكن تحقيق توازن أفضل بين النمو الاقتصادي والمحافظة على البيئة والرفاهية الاجتماعية.

تناقضات

وأثار تيري كانون، من معهد دراسات التنمية في جامعة ساسكس البحثية البريطانية، هذه الإشكالية المرتبطة بقصور الناتج المحلي الإجمالي (GDP) كمقياس لتأثيرات الاحتباس الحراري، مشيرا إلى أن “الشكوى من أن الاحتباس الحراري سيضرّ بالناتج المحلي الإجمالي” هو نوع من التناقض، إذ أن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي هو أحد أفضل الأشياء التي يمكن أن تحدث للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي إذا ما أدى ذلك إلى تقليل استهلاك المنتجات والخدمات كثيفة الكربون.

كما بيّن كانون أن ما يقرب من نصف سكان العالم، في ما يُسمّى بـ”الجنوب العالمي” الذين يعيشون في فقر، يعتمدون على أشكال زراعية أو رعي هشّة، وهؤلاء الناس يعيشون كأصحاب أراضي يعتمدون على الكفاف أو كأُجَراء في مزارع الآخرين، ومساهمتهم في الناتج المحلي الإجمالي أقلّ بكثير من أهمية سبل عيشهم، على اعتبار أن قيمة إنتاجهم مقوّمة بأقلّ من قيمتها الحقيقية.

لذا، فإن الناتج المحلي الإجمالي هو مقياس غير كاف لتقييم الآثار السلبية للاحتباس الحراري، إذ من المهم أن نفهم تأثيرات تغير المناخ على رفاهية الناس وسبل عيشهم، وهي أمور لا يقيسها الناتج المحلي الإجمالي بشكل جيّد، بحسب كانون.

المصدر: الغارديان