سلطنة عُمان… التغير المناخي والضرورات الملحّة

May 29, 2024

لم يعد الحديث عن التغير المناخي في العالم ضربا من التكهّنات، بل بات أمرا واقعا يُؤثّر في جميع أنحاء العالم كما لم يُؤثّر من قبل، ما يُلحّ على الحكومات لاتخاذ إجراءات وقائية جماعية وفردية.

وتتأثر سلطنة عُمان مباشرة بالتغيرات المناخية من خلال أنماط الطقس التي لا يمكن التوقّع بها، والتهديد الذي يتعرّض له التنوع البيولوجي. ومع تسارع هذه التغيرات وحدتها، يتحتّم على سلطنة عُمان وضع هذا الأمر ضمن أولوياتها، وبذل كل الجهود الممكنة من أجل بناء الاستراتيجيات للتقليل من الأخطار المحدقة نتيجة ما يشهده الكوكب من متغيرات حقيقية.

ويُشكّل تغير المناخ، الناجم عن الزيادة المستمرة في انبعاثات الغازات الدفيئة، تهديدا كبيرا لبيئتنا وأسلوب حياتنا. ووفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن درجات الحرارة العالمية في طريقها للارتفاع بما يزيد عن 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2040 إذا استمرت الاتجاهات الحالية، وستؤدي هذه الزيادة إلى تفاقم وشدّة الظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر، واختلال النظم البيئية.

أما سلطنة عُمان، فإنها تتأثر منذ عدة سنوات بالتغيرات المناخية خصوصا في زيادة عدد الحالات المدارية، التي وصلت أحيانا إلى أعاصير من الدرجة الخامسة، وبمنخفضات جوية أو أخاديد من منخفضات جوية وصل تأثيرها التدميري إلى مستوى أعاصير كما هو الحال في منخفض “المطير”، ما يعني أننا في مواجهة مباشرة مع تأثيرات المتغيرات المناخية، وأن على الجميع العمل من أجل الحدّ من شدّة التأثيرات عبر بناء الوعي المجتمعي وبناء الاستراتيجيات والمساهمة في التقليل من الانبعاثات الكربونية.

إن التنمية المستدامة في سلطنة عُمان على المحكّ في ظلّ كل هذه المتغيرات المناخية، ما يُحتّم علينا الانتقال إلى مرحلة العمل الجماعي عبر استراتيجية وبرنامج الحياد الصفري، وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز الممارسات المستدامة في جميع القطاعات. وفي هذا السياق، فإن سلطنة عُمان -اليوم- في حاجة للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون الذي يمكن عبره تحقيق هدفين: الأول، معالجة المخاطر البيئية، والثاني، توفير فرص حقيقية للتنوع الاقتصادي.

كما أن الحياد الصفري، الذي تتم عبره الموازنة بين كمية الغازات الدفيئة المنبعثة مع الكمية المزالة من الغلاف الجوي، يُعد خطوة أساسية في مكافحة تغير المناخ، وقد وضعت سلطنة عُمان خريطة طريق للوصول إلى هذه المرحلة في عام 2050، وذلك عبر العديد من المبادرات وبناء السياسات والأنظمة التي تُعزّز التكنولوجيا الخضراء والممارسات المستدامة، وإعطاء الأولوية للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

والوعي العام مهم جدا لنجاح كل هذه البرامج والمبادرات، فموضوع الكربون يتعلّق بالممارسات الفردية كما يتعلّق بممارسات الشركات الكبرى والدول، لذا فإن الجميع مطالب بالعمل على تقليل بصمته الكربونية، ما يدفع بالعمل الجماعي نحو الأمام.

والخبر الذي على الجميع أن يعيه تماما: إن موضوع التغير المناخي بات واقعا نعيشه في حياتنا ويُؤثّر فيها بشكل كبير، بل وبشكل كارثي في بعض الأحيان، ولا خيار إلا أن نتعامل مع الأمر ونعمل بشكل علمي على تقليل خسائره من خلال تبني الممارسات المستدامة والاستثمار في التقنيات الخضراء.

المصدر: افتتاحية جريدة عُمان