مصادر الطاقة المتجددة في أوروبا ومعضلة دونكلفلوت

May 21, 2024

على بعد نحو 75 كيلومترا قبالة سواحل ألمانيا، تُعد الأساسات الخمسين لمزرعة الرياح بالتيك إيجل من بين أحدث العلامات على توجه أوروبا نحو الطاقة الخضراء.

وتُعد المنصات التي تم تركيبها العام الماضي، والتي استلمت للتو أول توربيناتها، جزءا من مشروع مشترك بين شركة إيبردرولا وشركة مصدر الإماراتية، ومن المفترض أن يكون المشروع الذي تبلغ طاقته 476 ميجاوات قادرا على إمداد ما يصل إلى 475 ألف منزل، ما يُمثّل خطوة صغيرة نحو أهداف الطاقة النظيفة في أوروبا.

ومع ذلك، يُركّز صنّاع السياسات وخبراء الطاقة على كيفية سدّ فجوة الطاقة خلال فترات الرياح المنخفضة وقلّة ضوء الشمس، أو كما هي معروفة في دوائر الطاقة بالمصطلح الألماني “دونكلفلوت”.

ويُظهر التحليل الذي أجرته وكالة الطاقة الدولية أن ما يقرب من خمس أو ست مرات، على مدى السنوات الثلاثين الماضية، أثّرت نوبات البرد المصحوبة برياح قليلة على أجزاء كبيرة من أوروبا لمدة أسبوع أو أكثر، بما في ذلك المناطق التي تقع فيها معظم مشاريع طاقة الرياح البرية والبحرية.

يقول برنت وانر، رئيس وحدة قطاع الطاقة في وكالة الطاقة الدولية، التي تقدم المشورة للدول الأعضاء بشأن أمن الطاقة، “نحن ندرك أن المناخ يتغير، لذا من الصعب معرفة عدد مرات حدوث ذلك، لكن الاستعداد لمثل هذه الفترات يجب أن يكون جزءا من التخطيط”.

ومن المتوقع أن يتغير نظام الكهرباء في أوروبا بشكل عميق خلال العقود المقبلة، إذ تُشير النماذج التي أعدتها مؤسسة أجورا إنرجيويندي البحثية إلى أن 96% من الكهرباء في أوروبا سوف تأتي من مصادر متجددة، معظمها من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بحلول عام 2050. مقارنة بنحو 44% حاليا.

وسوف تصبح القارة أيضا أكثر اعتمادا على الكهرباء مع تحوّل الأُسَر من البنزين إلى السيارات الكهربائية ومن الغلّايات التي تعمل بالغاز إلى مضخّات الحرارة الكهربائية. كما تُظهر النماذج أن الكهرباء يمكن أن تلبي ما يصل إلى 70% من الطلب النهائي على الطاقة في أوروبا بحلول عام 2050، مقارنة بما يزيد قليلا عن 20% حاليا.

ومن المرجّح أن تتطلّب إدارة فترات انخفاض الرياح والشمس دون اللجوء إلى الوقود الأحفوري، من بين أمور أخرى، تغييرا تدريجيا في تخزين الكهرباء بحيث يمكن تخزينها عندما تكون الرياح والشمس قوية ونشرها عندما لا تكون كذلك.

كما تُعتبر الطاقة الكهرومائية المخزنة بالضخ -حيث يتم ضخ المياه إلى خزان ثم تفريغها عند الحاجة لتشغيل التوربينات- من قبل وكالة الطاقة الدولية الطريقة “الأكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة، والمتاحة حاليا لتخزين الطاقة على مدى فترات طويلة من الزمن”.

كما أن أحد الخيارات التي ينظر إليها صنّاع السياسات هو الهيدروجين كشكل من أشكال التخزين، وذلك من خلال استخدام التحليل الكهربائي لفصل الهيدروجين من الماء عندما تكون الرياح والشمس قويتين، وتخزين الهيدروجين، وتحويله مرة أخرى إلى كهرباء عندما تنخفض الرياح لاستخدامه كوقود للطاقة.

ومع ذلك، فإن هذه العملية غير فعالة إلى حد كبير، إذ من المحتمل أن يتم فقدان 70% من الكهرباء على طول الطريق. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجّح أن يكون الطلب على الهيدروجين منخفض الكربون أقوى من الصناعات التي لديها طرق أخرى قليلة لخفض انبعاثاتها، مثل صناعة الأسمدة أو صناعة الصلب.

وفي دفعة للسوق، أعلنت الحكومة الألمانية في فبراير الماضي عن خطط لدعم أصحاب محطات الطاقة لتطوير ما يصل إلى 10 جيجاوات من محطات الطاقة القادرة على العمل بالهيدروجين، واصفة بأنها “محطات طاقة حديثة ومرنة للغاية وصديقة للمناخ”.

وفي نهاية إبريل المنصرم، منحت المفوضية الأوروبية ما يقرب من 720 مليون يورو لسبعة مشاريع تهدف إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو النوع الذي يتم إنتاجه من خلال التحليل الكهربائي بالطاقة المتجددة، ما يساعد على تطوير الصناعة.

وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك انتكاسات أيضا، ففي وقت سابق من هذا العام، تراجعت شركة إنجي الفرنسية عن هدفها المتمثّل في تطوير مشاريع الهيدروجين بقدرة 4 جيجاوات من عام 2030 إلى عام 2035.

ويُشير جيمس فورست، رائد الصناعة العالمية في مجال تحول الطاقة والمرافق في شركة كابجيميني الاستشارية، إلى أن الحماس لتطوير الهيدروجين منخفض الكربون “تضاءل قليلا” خلال العام الماضي، ويرجع ذلك جزئيا إلى ارتفاع التكاليف.

ويعتقد ماتياس باك، مدير أوروبا في مؤسسة أجورا إنرجيويندي البحثية، أن الهيدروجين سيواجه منافسة من تقنيات التخزين الأخرى، حيث تعمل العديد من الشركات على تطوير البطاريات حتى تتمكن من العمل لفترات أطول، وتطوير طرق جديدة لتخزين الحرارة.

ويضيف باك أن العدد المتزايد من كابلات الكهرباء التي تسمح للبلدان بتصدير واستيراد الطاقة سيساعد أيضا النظام على التكيف، قائلا “من المحتمل أنه إذا كان لديك دونكلفلوت في بحر الشمال، سيكون لديك إنتاج متجدّد ووفير في مناطق أخرى”.

لكن السؤال، بحسب باك، هو: هل لدينا الأشياء الصحيحة على المستوى السياسي والإداري، أوروبيا وإقليميا، للوصول إلى ذلك؟

المصدر: افتتاحية صوت الخليج