فهم تأثير تغير المناخ على الصحة والأمراض

May 19, 2024

لا يُعد تغير المناخ مجرد قضية بيئية فحسب، بل إنه أزمة صحية عميقة، إذ نشهد تأثيرا كبيرا على الصحة العامة، ما يفاقم المشكلات الصحية القائمة ويطرح تحديات جديدة.

وأحد الآثار المباشرة لتغير المناخ هو زيادة تواتر وشدّة موجات الحرّ، حيث يمكن أن تؤدي هذه الارتفاعات القصوى في درجات الحرارة إلى الإنهاك الحراري وضربات الشمس والجفاف. والأكثر عرضة للخطر هم كبار السنّ والأطفال، وأولئك الذين يعانون من حالات صحية مسبقة، إذ تصبح المدن أكثر حرارة من محيطها الريفي، فيواجه السكّان مخاطر متزايدة من الأمراض المتعلقة بالحرارة.

كما يُؤثّر تغير المناخ على جودة الهواء، إذ تؤدي الزيادة في درجات الحرارة إلى رفع مستويات الأوزون عند مستوى سطح الأرض، ما يفاقم أمراض الرئة، مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن. ويزداد الأمر سوء بسبب حرائق الغابات، والتي أصبحت أكثر تكرارا وحدة جرّاء ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الشديد، ما تُنتج دخانا يحتوي على جزيئات ضارّة تُشكّل مخاطر شديدة على الصحة التنفسية.

وتعمل درجات الحرارة المرتفعة على تغيير التوزيع الجغرافي للأمراض المنقولة، أي تلك التي تنتقل عن طريق نواقل مثل البعوض والقراد والبراغيث. فمثلا، الملاريا وحمى الضنك عادة مقصوران على المناطق الاستوائية، ولكن الآن يظهران في مناطق كانت في السابق باردة جدا بسبب استمرارية النواقل، حيث تُتيح فصول الدفء الممتدّة والشتاء الأكثر دفئا لهذه النواقل الازدهار لفترات أطول، ما يزيد من خطر انتقال الأمراض.

كما تُؤثّر الأمطار الغزيرة والفيضانات، التي تزداد تواترا مع تغير المناخ، بشكل كبير على جودة المياه، إذ يمكن أن تؤدي هذه الظروف إلى تدفق مياه الصرف الصحي وتلوّث مياه الشرب، ما يُسهّل انتشار الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والجيارديا والتهاب الكبد الوبائي أ. وعلى النقيض من ذلك، تُقلّل الظروف الجافّة من توفّر المياه، ما يؤدي إلى سوء النظافة والصرف الصحي، وبالتالي تزيد المخاطر الصحية.

ويُشكّل تغير المناخ خطرا جدّيا على الأمن الغذائي، حيث تتأثّر عوائد المحاصيل، وبخاصة المحاصيل الأساسية، بأنماط الطقس المتغيّرة والآفات والأمراض، ما يُؤثّر على توفّر الغذاء وجودته، ويؤدي إلى نقص الغذاء والمشكلات الصحية المرتبطة به، مثل سوء التغذية والتقزّم.

ومن ناحية أخرى، لتغير المناخ تأثير نفسيّ عميق، إذ يمكن أن تؤدي الكوارث المناخية والتهجير والضغط الناجم عن العيش في ظروف بيئية غير مستقرة إلى مشاكل صحية نفسية، بما في ذلك القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، ما يجعل الصحة العقلية أكثر عرضة للخطر مع تفاقم أزمة المناخ.

وفي الختام، إن العلاقة بين تغير المناخ والصحة معقدة ومتعددة الأوجه، وتتطلّب استجابة قوية من المؤسسات الصحية والحكومات والمجتمعات للتخفيف من هذه التأثيرات، بما في ذلك الحدّ من الانبعاثات، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز أنظمة مراقبة الأمراض، وتعزيز خدمات الرعاية الصحية. وكلما تصرّفنا بسرعة، كلما استطعنا حماية البشرية من التأثيرات الصحية العميقة لتغير المناخ.

بقلم: إلهام الشحيمي – النهار العربي