هل يُضعف الطقس الحار جهاز المناعة؟

May 18, 2024

يُشعرك الحديث عن الاحترار العالمي بالملل لأنه قد يُعيدك إلى حصة العلوم في الصف الخامس أو السادس والتي كانت تدور حول غازات تنحبس في الجو لترفع الحرارة. لم تكن هذه المشكلة مشكلتك في ذلك الوقت بأي حال من الأحوال، ولكن من الممكن أنها قد أصبحت مشكلتك الآن بدليل أن الأحاديث عن تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة خرجت من الغرفة الصفية إلى الشارع والبيت.

ووفقا لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، فقد تغير مناخ الأرض عبر التاريخ، إذ كانت هناك 8 دورات من العصور الجليدية والفترات الأكثر دفئا في الـ800 ألف سنة الماضية فقط، وكانت نهاية العصر الجليدي الأخير قبل حوالي 11700 سنة بمثابة بداية عصر المناخ الحديث والحضارة الإنسانية. وتُعزى معظم هذه التغيرات المناخية إلى اختلافات صغيرة جدا في مدار الأرض والتي تغير كمية الطاقة الشمسية التي يتلقاها كوكبنا.

وتختلف هذه الموجة من الاحترار لأنها نتيجة للأنشطة البشرية منذ منتصف القرن الـ19، إذ لا يمكن إنكار أن الأنشطة البشرية أنتجت الغازات الجوية التي احتجزت المزيد من طاقة الشمس في نظام الأرض، حيث أدّت هذه الطاقة الإضافية إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي والمحيطات والأرض، وأحدثت تغيرات واسعة النطاق وسريعة في محيطنا الحيوي.

وتُشير منظمة الصحة العالمية أيضا لهذه القضية باعتبارها حدثا يمسّ صحة الإنسان، فتغير المناخ يؤثر على الصحة بطرق لا تعد ولا تحصى، فقد يتسبّب في الوفاة والمرض جرّاء الظواهر الجوية المتطرفة والمتكررة بشكل متزايد، مثل موجات الحرّ والعواصف والفيضانات، وتعطيل النظم الغذائية، وزيادة الأمراض الحيوانية المنشأ، أو المرتبطة بالغذاء والمياه ونواقل الأمراض، بالإضافة إلى مشاكل الصحة العقلية.

كما يبدو أن اليوم الحار يُعد بمثابة تهديد للجهاز المناعي، إذ قد يؤثر الطقس الحار على قدرة الجهاز المناعي على صد الميكروبات والحفاظ على صحة الجسم، وذلك وفقا لمقال نُشر في موقع ساينتفيك أميركان (Scientific American)، حيث وجد باحثون صلة بين الطقس الحار والاستجابة المناعية للجسم، منها تغير مستويات بعض خلايا الدم ومؤشرات الالتهاب.

وأخذ الباحثون عينات دم من 624 فردا في مدينة لويزفيل، في ولاية كنتاكي في الولايات المتحدة الأميركية، مع تقلّب درجات الحرارة في صيف 2018 و2019، وقاموا بتحليل جزيئات مناعية مختلفة كانت بمثابة مؤشرات حيوية للالتهابات والاستجابة المناعية.

العواقب طويلة المدى

كان متوسط درجة الحرارة عند سحب الدم 24 درجة مئوية، مع تراوح معظم درجات الحرارة بين 21 و27 درجة مئوية، ومع ذلك وجد الباحثون مجموعة من التغيرات الالتهابية في الأيام التي كانت أكثر دفئا من المتوسط، ما يُشير إلى أنه حتى الحرارة المعتدلة كانت تتسبّب في دخول الجهاز المناعي في وضع الحرب وإهدار موارد الجسم القيّمة. هذه النتائج دفعت الباحثين إلى التفكير في العواقب طويلة المدى لارتفاع درجات الحرارة العالمية على وظيفة المناعة.

كما أن درجات الحرارة المرتفعة من الممكن أن تُوقظ المستجيبات الأوائل في الجهاز المناعي في حال الاختراق الميكروبي، ومن بين تلك المستجيبات كانت هناك بروتينات إشارة تُسمى السيتوكينات وأنواع متعددة من خلايا الدم البيضاء، وهي الخلايا التائية القاتلة الطبيعية (Natural Killer T Cells) وطاقم التنظيف المكوّن من خلايا تُسمى الوحيدات (Monocytes)، وتعتبر المستويات المرتفعة من هذه الخلايا علامات على وجود الالتهابات، وهي إحدى الطرق التي يحمي بها الجهاز المناعي الجسم.

وهناك اختلافات في الاستجابة المناعية التكيفية للجسم، إذ أن المشاركين الذين تم سحب عينات من دمهم عندما كانت درجات الحرارة مرتفعة كان لديهم أعداد أقل من الخلايا البائية، وهي الخلايا العاملة المنتجة للأجسام المضادة التي تتعرف على مسبّبات الأمراض المحددة وتتذكرها للعدوى المستقبلية.

وبينما يتجه الكوكب نحو ظاهرة الاحتباس الحراري بما يزيد عن 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول منتصف القرن، فإن فهم كيفية تشكيل الحرارة للمشهد المناعي أمر مهم وحيوي لمنع وعلاج الإجهاد الحراري لدى البشر.

المصدر: ساينتفيك أميركان