تغير المناخ تهديد صحي أشدّ ضراوة مما نظن

May 14, 2024

يُشكّل تغير المناخ التهديد الأعظم على الإطلاق لصحة البشر، إذ أن زيادة درجات الحرارة القياسية العالمية ستودي بحياة ما يصل إلى مليار إنسان. كما أن الظواهر الجوية الشديدة، وتفشي الأمراض المعدية، ونقص الغذاء، ستكون من بين أسباب الوفاة. لكن الأمر قد يكون في الحقيقة أشدّ سوءا، إذ أن التوقعات الحالية لا تُعبّر عن الزيادة الحتميّة في مقاومة مضادات الميكروبات.

ومن الممكن أن يُخلّف تغير المناخ تأثيرا عميقا على مقاومة مضادات الميكروبات، حيث تشير الأدلة على نحو متزايد إلى أن أحداث الطقس القاسية وارتفاع درجات الحرارة العالمية قد تعمل على تسهيل ظهور وانتشار مسبّبات الأمراض المقاومة للأدوية، لكن النماذج التي تسعى إلى قياس التأثيرات الصحية الناجمة عن تغير المناخ تتجاهل الخطر المتزايد المتمثّل في مقاومة الأدوية، وكذا حال الاستجابات السياسية للانحباس الحراري العالمي، وهذا إهمال جسيم من شأنه أن يعيق قدرتنا على علاج العدوى والحفاظ على صحة الناس.

ووجدت دراسة حديثة في الصين أن كل زيادة بمقدار درجة مئوية واحدة في حرارة الهواء كانت مرتبطة بزيادة بنسبة 14% في حالات عدوى الكلبسيلة الرئوية (Klebsiella Pneumoniae) المقاومة للأدوية، وزيادة بنسبة 6% في حالات عدوى الزائفة الزنجارية (Pseudomonas Aeruginosa) المقاومة للأدوية.

وعلى نحو مماثل، ستؤدي الأحوال الجوية القاسية، وخاصة الفيضانات والجفاف، إلى زيادة انتشار الأمراض المعدية المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والتيفويد، فضلا عن مقاومة الأدوية. وكثيرا ما تؤدي مثل هذه الأحداث إلى تعطيل القدرة على الوصول إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، ما يجعل الوقاية من العدوى ومكافحتها أشدّ صعوبة.

إن مقاومة مضادات الميكروبات معترف بها بالفعل باعتبارها أزمة عالمية متزايدة الحدّة. وفي عام 2019، ارتبطت مقاومة مضادات الميكروبات بما يقرب من خمسة مليون وفاة، وهذا يجعل مقاومة الأدوية واحدة من أكبر مسبّبات الوفاة في العالم. وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية مقاومة مضادات الميكروبات واحدة من عشرة تهديدات كبرى للصحة العالمية، إلى جانب تغير المناخ.

وزعماء العالم جادّون في التصدي لهذه المشكلة، إذ من المقرر عقد اجتماع رفيع المستوى حول مقاومة مضادات الميكروبات على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، لكن كثيرين ما زالوا يعتقدون أن مقاومة مضادات الميكروبات تختلف عن الانحباس الحراري العالمي.

فعلى سبيل المثال، لم يُشر تقرير العد التنازلي الأخير، الصادر عن مجلة لانسيت حول الصحة وتغير المناخ، إلى مقاومة مضادات الميكروبات أو مقاومة الأدوية أو المضادات الحيوية. وعلى نحو مماثل، نجد أن الأمانة الرباعية لمبادرة “صحة واحدة”، التي تضم منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، قد فشلت في دراسة العلاقة بين الانحباس الحراري العالمي ومقاومـة مضادات الميكروبات، ناهيك عن الكيفيّة التي ستؤثر بها مقاومة مضادات الميكروبات على المخاطر الصحية المترتبة على تغير المناخ.

إن المجتمع الدولي يستخفّ بشدّة بتأثير تغير المناخ على صحة الناس وقدرتنا على علاجهم. وللاستعداد لأزمة مقاومة مضادات الميكروبات المتصاعدة، يتعيّن علينا أن نعتمد بشكل متزايد على الوقاية من العدوى ومكافحتها، وضمان الاستخدام الحكيم للمضادات الحيوية الفعّالة، وتطوير مضادات حيوية جديدة، فضلا عن تنفيذ الاستثمارات المناسبة وإنشاء الحوافز اللائقة حتى يتسنّى وصول المضادات الحيوية الحالية إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها.

كما يتعيّن على صنّاع السياسات على مستوى العالم تمويل أبحاث مقاومة مضادات الميكروبات، والنظر إلى مقاومة الأدوية وارتفاع درجات الحرارة باعتبارهما تحدّيين مترابطين وليسا منفصلين، بدءا من اجتماع الأمم المتحدة بشأن مقاومة مضادات الميكروبات في سبتمبر المقبل، ومؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ هذا العام (كوب29) في باكو، وإلا فإن فعّالية الأدوية المتاحة ستفقد قيمتها عندما نكون في أشدّ الحاجة إليها.

بقلم: مانيكا بالاسيجارام – جريدة عُمان