​تغير المناخ يهدد التعليم والنمو لملايين الأطفال

May 13, 2024

يؤدي تغير المناخ إلى تغيرات في أنماط الطقس، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى زيادة التلوّث الكربوني في الغلاف الجوي لكوكب الأرض. وتشمل هذه الأنماط الجوية المتغيّرة ارتفاع درجات الحرارة والأمطار الغزيرة والجفاف وبعض الأنواع الأخرى من الطقس القاسي.

ويُعد الأطفال أكثر عرضة للأزمات المناخية والبيئية مقارنة بالبالغين، وأقل قدرة على تحمّل الصدمات الناتجة عنها، وهي أزمات تشمل الفيضانات والجفاف وموجات الحرّ. كما أن الأطفال أكثر عرضة وأقل مقاومة للأمراض المنقولة بفعل تغير المناخ، وأكثر تأثّرا من البالغين بتبعات تلوّث الهواء بالمواد السامة.

وتُشير بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى أن قرابة مليار طفل، أي نحو نصف أطفال العالم، يعيشون في بلدان معرّضة لخطر شديد بسبب آثار تغير المناخ. وتهدد موجات الحرّ نحو 820 مليون طفل يُشكّلون أكثر من ثلث أطفال العالم، ويزداد هذا الوضع سوءا مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية، واستمرار تقلب أنماط الطقس.

ويتعرّض كذلك 400 مليون طفل للأعاصير الشديدة التي تزداد وتيرتها ومخاطرها مع زيادة كثافة هطول الأمطار والتحوّل في أنماط الأعاصير. وتهدد ندرة المياه أيضا نحو 920 مليون طفل، ومن المرجح أن يزداد هذا الوضع سوءا مع زيادة تواتر حالات الجفاف والإجهاد المائي ونضوب المياه العذبة المتوفرة.

التعليم في مناخ متغيّر

يُعد التعليم ركنا أساسيا في مواجهة أسباب تغير المناخ عبر التوعية بآثاره ومخاطره على الإنسان والنظام البيئي. لكن في المقابل يُشكّل تغير المناخ أحد أكبر التهديدات التي تُقوّض التعليم نفسه، فتغير المناخ يتسبّب بزيادة تواتر وشدة الكوارث المرتبطة بظواهر الطقس المتطرفة، وتتضح هذه الآثار في البلدان منخفضة الدخل والبلدان النامية الأكثر عرضة لتهديدات تغير المناخ بسبب موقعها الجغرافي ونقص الموارد وصعوبة التكيّف.

وعلى مدار العقد الماضي، واجه أكثر من 91 مليون طفل في سنّ الدراسة صدمات مناخية تفاقمت بسبب تغير المناخ، وكانت الآثار واضحة بالأخص في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا حيث أثّرت في 42 مليون طفل، وفي جنوب آسيا حيث أثّرت في 31 مليون طفل. ومن بين المخاطر المناخية المختلفة التي جرى تقييمها، تظهر حالات الجفاف باعتبارها الأكثر خطورة واستمرارا.

وعلى الرغم من أن حالات الجفاف أشدّ وتؤثّر في عدد أكبر من الأطفال، فإن الفيضانات هي السبب الرئيسي لعمليات النزوح القسري للأطفال في سنّ المدرسة، حيث طالت 31 مليون طفل، وتُشكّل كل حالة منها مثالا على تأخّر أو توقّف الحياة المدرسية للأطفال.

ولذلك يُعتبر تغير المناخ عبئا على استكمال تعليم الأطفال، وخاصة في المجتمعات الفقيرة وبين الأُسَر منخفضة الدخل التي يزيدها تغير المناخ ونقص المحاصيل والموارد الطبيعية فقرا، ويضطّر أطفالها لترك الدراسة مبكرا.

الصحة والتغذية والتعليم

يُواجه الأطفال الموجودون في الخطوط الأمامية لأزمة المناخ مخاطر صحية متزايدة، إذ تُشكّل حالات الطوارئ المناخية، مثل الفيضانات والأعاصير وارتفاع مستوى سطح البحر والارتفاع الشديد في درجات الحرارة، مخاطر جسيمة على صحة الأطفال وسلامتهم، ويمكن أن تؤثّر هذه الأحداث في خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية وتؤدي إلى الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والزحار والإسهال، كما أن زيادة تلوّث الهواء، المسؤول الأول عن أزمة المناخ، يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالربو وغيره من الأمراض التنفسية المزمنة. ومن شأن هذه العوامل، سواء بمفردها أو مجتمعة، أن تزيد من معدلات التغيّب عن المدرسة، خاصة وأن الأطفال الأضعف لا يمكنهم الحصول على رعاية صحية عاجلة ومناسبة.

ومع ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم، فإن الحرارة الشديدة تُعرّض صحة الأطفال للخطر، وتحرمهم من التعليم، وتجعلهم قلقين أكثر على مستقبلهم. كما سيؤثّر تغير المناخ على الأمن الغذائي بطرق شتى، وسيكون التأثير المباشر عن طريق تقلّب هطول الأمطار، ودرجات الحرارة المرتفعة بشكل مُفرط، وزيادة انتشار الآفات، وضعف تكيّف الثروة الحيوانية، وارتفاع درجة حرارة المحيطات وتحمّضها، ويكون التأثير غير المباشر عن طريق الفيضانات وحرائق الغابات والهجرة البشرية والصراعات وتعطّل سلاسل التوريد وزيادة الفقر.

كل هذه عوامل تدفع إلى خسائر في نمو المحاصيل وتراجع مستويات التغذية، خصوصا لدى الأطفال. ولكي يتطور دماغ الطفل، فإنه يحتاج إلى مجموعة من العناصر الغذائية الأساسية، والتوازن الصحيح بين البروتين والدهون والكربوهيدرات والفيتامينات والمعادن والماء، كما تعتبر المغذيات الدقيقة، مثل الحديد والزنك والكولين واليود والفولات وفيتامين بي 12، عوامل حيوية أيضا للتطور الذهني، ويمكن أن يؤدي نقص المغذيات إلى تقليل إنتاج خلايا الدماغ، وانخفاض كفاءة الاتصال بينها، وينتج عن ذلك تباطؤ تطور اللغة، وضعف المهارات الحركية، وانخفاض معدل الذكاء، بالإضافة إلى الهزال والتقزم ونقص الوزن وضعف مناعة الجسم، وكل ذلك يُسبّب آثارا سلبية في حياة الطفل.

كما يمكن للتغيرات المناخية أن تؤثّر في صحة الطفل حتى قبل ولادته، فقد وجدت دراسات متعددة أن تعرّض الأمهات الحوامل لدرجات الحرارة المرتفعة يؤثّر في نمو الجنين داخل الرحم، ويرتبط بالولادة المبكرة وانخفاض الوزن عند الولادة، والتي ترتبط بدورها بضعف النمو البدني والذهني، كما أن التعرّض للإجهاد الناتج عن الكوارث المناخية قبل الولادة يؤثّر في القدرة الإدراكية والتحصيل العلمي للأطفال والأداء المدرسي على المدى الطويل.

التسرّب المدرسي

أدّت الآثار المتراكمة لأزمة المناخ إلى تعقيد حياة وسبل عيش الملايين والدفع بهم إلى براثن الفقر، فعندما تخسر الأُسَر مصادر دخلها يعجز الآباء على الأرجح عن دفع تكاليف التعليم، ويضطرون أيضا إلى إخراج أطفالهم من المدرسة حتى يتمكنوا من المساعدة في المنزل أو المزرعة أو كسب المال لمساعدة الأسرة.

ويُعد السكن المستقر عاملا رئيسيا للنجاح الأكاديمي للطلاب من جميع الأعمار، وعدم وجود سكن مستقر يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في العملية التعليمية، إذ يمكن لعمليات الإخلاء أن تجبر الأُسَر على الانتقال إلى مساكن أقل جودة في الأحياء ذات الموارد الأقل، وتزيد من مخاطر انعدام الأمن الغذائي نظرا لزيادة الضغوط المالية، كما تجعل من الصعب العثور على سكن آمن وبأسعار معقولة في المستقبل.

كما يؤدي النزوح بسبب المخاطر الناجمة عن تغير المناخ إلى زيادة عدم المساواة في الحصول على التعليم. ويواجه الأطفال المعرّضون بالفعل لخطر التسرّب المدرسي مخاطر أكبر عندما يتعرّضون لأزمات تتفاقم بسبب تغير المناخ والتدهور البيئي. وفي منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث تنتشر الأزمات المرتبطة بالمناخ، تزيد احتمالات خروج الأطفال النازحين داخليا من المدرسة الابتدائية بمقدار 1.7 مرة مقارنة بأقرانهم من غير النازحين.

المصدر: الجزيرة