تعويض ومساعدة البلدان الفقيرة للتكيّف مع آثار تغير المناخ

Apr 30, 2024

تُعد درجات الحرارة التي سُجّلت على الكوكب خلال الأشهر الـ12 الماضية الأكثر ارتفاعا على الإطلاق، ما يُشكّل تهديدا للمستقبل، وجزءا متزايد الأهمية من حاضرنا.

وغالبا ما تقع البلدان الفقيرة في مناطق تشهد مناخا حارّا للغاية، ومع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، فإنهم مضطرّون لتحمّل عدد أكبر من الأيام الحارّة خلال السنة، حيث تكون درجات الحرارة بالكاد مناسبة لحياة البشر. وفضلا عن ذلك، يُشكّل الفقر عائقا كبيرا أمام التكيّف مع تغير المناخ، فعندما تصل درجة الحرارة إلى 35 درجة في تكساس مثلا، يمكن للشخص الانتقال من الهواء المكيّف في منزله إلى الهواء المكيّف في مكتبه مستقلّا سيارته المكيّفة، لكن عندما تصل درجة الحرارة إلى 35 درجة في باكستان، فإن السكّان في المناطق الريفية يعانون من الحرّ داخل منازلهم غير المجهّزة بمكيّفات الهواء، وغالبا ما يضطرون إلى إنجاز أعمال بدنية في الخارج.

ويؤدي اجتماع هاتين القوّتين إلى وضع خطير للغاية، إذ يتوقّع الباحثون في مختبر التأثير العالمي (Global Impact Lab) أنه بحلول عام 2100، وفي حال لم يتغيّر مسار الانبعاثات، فإن ارتفاع درجات الحرارة على الأرض سوف يتسبّب في ستة ملايين وفاة إضافية سنويا، وهو رقم يتجاوز إجمالي الوفيات الناجمة عن الأمراض المعدية حاليا، غير أن هذه الزيادة في معدل الوفيات ستحدث حصريا في البلدان الأكثر فقرا.

إن المسؤولية عن هذا الوضع غير متكافئة بالقدر نفسه، فكلما كان الشخص غنيّا، كان استهلاكه أكبر وزادت مساهمته في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وسواء كان الكربون منبعثا من مصنع في الصين أو على طريق سريع في فرنسا، فالنتيجة هي نفسها. ووفقا للحسابات التي قام بها خبير الاقتصاد الفرنسي، لوكا شونسل، فإن البصمة الكربونية لأمريكي غنيّ نسبيا أكبر 120 مرة من البصمة الكربونية لشخص فقير من سكان إفريقيا.

ولهذا السبب، تقدّمتُ في اجتماع لوزراء مالية مجموعة العشرين، عُقد في 17 أبريل الجاري بدعوة من البرازيل، باقتراح يتعلق بتعبئة الأموال بطريقة مستدامة من أجل تعويض أفقر المواطنين في العالم ومساعدتهم على التكيّف مع تغير المناخ.

ويبلغ إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عن الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعين نحو أربعة عشر مليار طن سنويا، ويساهم كل طن في ارتفاع درجة حرارة كوكبنا ويتسبّب في وفيات. فهل نستطيع أن نحدّد رقما للتكلفة التي تتكبدها البلدان الأكثر فقرا جرّاء هذه الانبعاثات؟! يتطلّب هذا تحديد تكلفة لحياة الإنسان، ومن خلال الجمع بين تقدير التكلفة السنوية لكل حياة مفقودة، والتأثير المتوقع لطن من ثاني أكسيد الكربون على درجات الحرارة وتأثير درجات الحرارة على المناخ، قام الباحثون بحساب القيمة النقدية لتأثير كل طن من الكربون على الوفيات المستقبلية، وهي 37 دولارا.

وعليه، فإن البلدان الأكثر فقرا تتكبّد كل عام تكلفة قدرها 485 مليار يورو بسبب الانبعاثات الصادرة عن أوروبا والولايات المتحدة، وتتعلق هذه التكلفة حصرا بالأرواح المفقودة فقط.

لقد اعتُمد مبدأ صندوق “الخسائر والأضرار” لتقديم التعويضات للدول الفقيرة في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بشأن تغير المناخ. لكن الصندوق لم ينجح حتى الآن سوى في تعبئة بضع مئات الملايين من اليورو، لذا فنحن ما نزال بعيدين عن الأهداف.

ما السبيل إذن إلى جمع المبلغ المطلوب؟ إن الالتزامات الطوعية التي تعهّدت بها البلدان حتى الآن لم تُوفّ أبدا، ولذلك فإن اقتراحي هو إيجاد مصادر جديدة للتمويل وتوجيهها نحو هذا الاستخدام، وثمّة طريقان ملموسان للغاية يمكن أن نمضي فيهما: الأول هو رفع الحدّ الأدنى للضريبة المفروضة على كبرى الشركات متعددة الجنسية، التي سبق أن اتّفقت البلدان على تحديدها بنسبة 15%، والتي يمكن زيادتها بنقطتين أو ثلاث.

ويتعلّق الطريق الثاني بالاقتراح الذي تقدّم به مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي، والمتمثل في فرض ضريبة سنوية قدرها 2% على أغنى 3000 ملياردير في العالم. وقد تداولت مجموعة العشرين حول هذا المقترح باعتباره مقترحا مركزيا للرئاسة البرازيلية، ومن شأن هذين الطريقين معا أن يتيحا جمع أكثر من 450 مليار يورو.

لكن إذا كان من الممكن جمع هذه الأموال، فكيف ينبغي إنفاقها؟ إن أفضل استخدام لها هو تقديم تعويضات لضحايا الحرارة الشديدة أو الكوارث المناخية، وهو ما من شأنه أن يسمح لهم بحماية أنفسهم والبقاء على قيد الحياة. كما أقترحُ القيام بتحويلات تلقائية إلى المتضرّرين من الظروف المناخية، وهذا يضمن الشفافية والعدالة.

لقد أظهرت لنا العديد من الدراسات البحثية أن الأُسَر تستفيد بشكل جيد للغاية من التحويلات المالية المباشرة، وقد أصبح الآن من الممكن تشييد بنية تحتية مالية تربط كل أسرة في العالم بالتحويلات المالية. كما بوسع مختلف البلدان الاتفاق على قواعد تلقائية لكي تُؤطّر التحويلات المالية إلى الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتأثرة بصدمة حرارة أو حدث مرتبط بالمناخ، كالجفاف أو الفيضانات، في البلدان الأكثر فقرا.

كما تقف المجتمعات المحلية على الخطوط الأولى للمواجهة من أجل حماية مواطنيها، إذ تقوم البلديات ببناء الحواجز الصخرية وتشييد مبان مبرّدة وتسهيل استقبال السكان النازحين، ومن شأن التحويلات المالية الموجّهة إلى الحكومات المحلية أن تسمح لها بتنفيذ هذه الإجراءات.

وأخيرا، إننا نعرف قيمة مبلغ الفاتورة، وكذلك طريقة جمع المال وكيفية إنفاقه، والشيء الوحيد المتبقّي إذن هو التوصّل إلى اتّفاق!

بقلم: إستر دوفلو – جريدة عُمان