تعافي طبقة الأوزون والسبيل لحماية الكوكب

Apr 24, 2024

منذ وقت ليس ببعيد، بدا استنفاد طبقة الأوزون على الأرض بمثابة تحدّ لا يمكن التغلب عليه، إذ هدّدت عقود من استخدام المواد الكيميائية الضارة، مثل مركبات الكربون الكلورية الفلورية (CFCs)، بإحداث أضرار لكوكبنا لا يمكن إصلاحها. وفي غياب إجراءات سريعة وفعّالة، واجهنا خطر زعزعة استقرار المناخ، وانهيار النظام البيئي ونظامنا الغذائي، وقد أصبحت العواقب التي لم يكن من الممكن تصوّرها في السابق حقيقة مؤلمة.

ولكن بعد ذلك حدث شيء مذهل، إذ اتّحدت البشرية لحماية طبقة الأوزون استجابة لتحذيرات العلماء الحائزين على جائزة نوبل، بول كروتزن وماريو مولينا وشيروود رولاند، الذين أكّدت أبحاثهم على خطورة التهديد، حيث أدرك المجتمع العالمي الحاجة الملحّة إلى العمل الجماعي. ومن خلال تسخير المعرفة العلمية، تم تحويل صناعات بأكملها ووضع سياسات عادلة لحماية البلدان التي لم تُسهم في المشكلة.

وبفضل بروتوكول مونتريال، الذي صادقت عليه 197 دولة، تم التخلص التدريجي من ما يقرب من 99% من المواد المُستنفدة لطبقة الأوزون، ويشمل ذلك خفض واستبدال مركبات الكربون الكلورية الفلورية، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ تغير المناخ لمدة عشر سنوات على الأقل.

وينبغي أن تكون الجهود العالمية الناجحة لحماية طبقة الأوزون بمثابة منارة أمل لنا جميعا، إذ تُعد إحدى أعظم الإنجازات البيئية التي حققتها البشرية، وتُظهر ما يمكننا تحقيقه عندما نعمل معا بالتزام واحترام وعزم.

ومع ذلك، يمكن أيضا أن تكون بمثابة تحذير، فقد كشفت دراسة أجراها يوهان روكستروم و28 من كبار علماء المناخ في عام 2023 عن واقع جديد مُروّع، ما يؤكد الحاجة إلى اعتماد نهج تعاوني لحماية الكوكب قبل فوات الأوان.

ويُقدّم نموذج “حدود الكواكب”، الذي قدّمه روكستروم وخبراء آخرون في عام 2009، إطارا مفيدا لتقييم صحة الكوكب. ويحدد هذا النموذج تسعة عوامل مترابطة، بما في ذلك المناخ وتوافر المياه العذبة والتنوع البيولوجي واستخدام الأراضي، والتي تشكل أهمية بالغة لاستقرار الكوكب وقابليته للسكن. وقد وجد روكستروم وزملاؤه أن ستة من هذه الحدود التسعة قد تم اختراقها بالفعل، ما يضع الأرض على مسار خطير يُقوّض قدرة الكوكب على الصمود ويُعرّض حياة الإنسان للخطر.

وبالنظر إلى أن الأرض تعمل كنظام مترابط، فلا يمكننا حل مشكلة واحدة دون معالجة المشاكل الأخرى. وعلى الرغم من إدراكنا للدور الحاسم الذي تلعبه حدود الكواكب في الحفاظ على قابلية كوكبنا للسكن، إلا أننا لم نتصرف بشكل حاسم بالقدر الكافي لوقف انزلاقنا نحو الكارثة.

على سبيل المثال، نعلم أن أكثر من مليون نوع من الكائنات الحية أصبحت على وشك الانقراض، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار أنظمة بيئية بأكملها. ونعلم أيضا أن فقدان النيتروجين والفوسفور يؤدي إلى تكاثر الطحالب السامة في المحيطات وأنظمة المياه العذبة، وبالتالي انتهاك حدود التدفق الجيوكيميائي الحيوي.

وعلى نحو مماثل، فإن التغاضي عن المستويات الخطيرة من التلوث الكيميائي والسماح لأطفالنا بابتلاع المواد البلاستيكية الدقيقة يضر بأنظمة دعم الحياة الضرورية لبقاء البشرية. وفي سبيل عودة استقرار الأرض، يتعيّن على الحكومات إدراك الحاجة إلى احترام حدود الكواكب التسعة. كما يتطلب هذا الأمر التزاما سريعا ومستمرا بالحدّ من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي وحماية التنوع البيولوجي والموارد المائية.

إن فرص نجاحنا تتزايد بشكل هائل عندما نتعاون، فكما تمكّن المجتمع الدولي من الاتحاد لإصلاح طبقة الأوزون، فسوف يظلّ الأمل قائما للاستجابة إلى نصائح الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية، واحترام ما تمليه علينا طبيعتنا.

وعلى الرغم من أن مجتمعات السكان الأصليين تُشكل أقل من 5% من سكان العالم، إلا أنها تُعد بمثابة الوصي الحكيم على الكوكب، حيث تحمي ما لا يقل عن ربع أراضي وبحار العالم و80% من التنوع البيولوجي. ولتعزيز هذا النهج، قمنا بتوحيد جهودنا مع منظمة “حراس الكواكب”، وهي مجموعة مستقلة من القادة العالميين والعلماء والمدافعين عن البيئة الذين يناصرون نموذج حدود الكواكب. يتمثل هدفنا في تعزيز اعتماد هذا النموذج كإطار لتقييم وتوجيه العمل المناخي الجماعي من خلال توحيد القادة من مختلف البلدان والصناعات والفئات العمرية والأجناس والثقافات، والاستفادة من خلفياتنا وتجاربنا المتنوعة لإيجاد حلول لحماية الكوكب.

وفي حين تُعد موارد كوكبنا محدودة إلى حد ما، إلا أنه لا يوجد حدّ للإبداع البشري وقدرتنا على حل المشاكل المُعقدة. لكن السؤال الحقيقي هو ما نوع الكوكب الذي نرغب في تركه للأجيال القادمة؟، من المؤكد أنه لا توجد إجابات سهلة أو حلول سريعة. ومع ذلك، وبالنظر إلى قدرتنا على إنقاذ طبقة الأوزون، فقد أظهرنا بالفعل أن اتخاذ إجراءات جماعية سريعة يُمكن أن يُسهّل عملية إجراء التغييرات اللازمة للحفاظ على الحياة البشرية على الأرض.

بقلم: شيي باستيدا وروبرت ريدفورد – جريدة عُمان