أفق الاستثمار في العمل المناخي

Apr 20, 2024

أظهرت دراستان خلال السنتين الأخيرتين أن حوالى 35.7 مليون هكتار من الأراضي الزراعية العربية، والتي تعادل 18% من المساحة الصالحة للزراعة الإجمالية، تخضع لتأثير التصحّر، خاصة في المناطق المتاخمة لصحراء الساحل الإفريقي.

ووفقا للدراستين، فإن 68.4% من الأراضي العربية متصحّرة، و20% مهدّدة بالتصحّر، بينما لا تتجاوز الأراضي غير المتصحّرة 11.6% من مجموع مساحتها. كما تُعتبر دول عربية بأكملها متصحّرة، مثل البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر، بينما هناك دول لديها معدل تصحّر يتراوح بين 60 و98%، مثل مصر وجيبوتي والسعودية والجزائر والأردن واليمن والمغرب.

وإذا كان تدهور الأراضي العربية قد يعود إلى الزيادة السريعة في السكان بنحو 3.5% سنويا، وهي أعلى نسبة عالميا، فضلا عن تغيير أنماط الاستهلاك وأنماط الحياة، فإن غياب سياسات حكومية قائمة على رؤى مستقبلية مُبدعة ومبتكرة للاستجابة لتحديات التصحّر يزيد من مخاطر تدهور الأراضي، ويعمّق ثقافة المجتمع القائمة على العبث بالطبيعة وهدر استعمال المياه نتيجة لتدهور الوعي وروح المسؤولية.

هنا لا بد من التأكيد على أن مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي المناطق الأكثر عرضة لتغير المناخ في العالم، ما سيجعلها معرضة لاختلالات عميقة تعصف بتوازناتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المستقبل القريب.

يكفي أن نذكر أنه بحلول عام 2050 ستكلّف ندرة المياه المرتبطة بتغير المناخ في الدول الشرق أوسطية 14.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وسيتعرّض 45% من المساحة الزراعية الإجمالية في المنطقة للملوحة واستنزاف المغذّيات في التربة والتآكل الناجم عن الرياح. هذا يعني انخفاض توافر المياه وإنتاجية الزراعة بنسبة تتجاوز 30.5% بحلول 2050.

إن مؤشرات التدهور تنطلق من سوريا والعراق، فأكثر من تسعة ملايين شخص في العراق فقط بدأوا يفقدون الوصول إلى المياه، وسيتعاظم هذا الرقم في السنوات القادمة القريبة، خاصة أن تركيا تسيطر على 90% من المياه التي تتدفق عبر نهر الفرات و44% من تلك الموجودة في نهر دجلة، فضلا عن سعي أنقرة إلى خفض إمدادات سدود نهر الفرات إلى الدول المجاورة، مثل العراق بنسبة 60%.

وإذا كانت إيران قد تضررت من خفض هذه الإمدادات التركية، فقد لجأت باستعجال إلى سياسة بناء السدود لإعادة توجيه المياه إلى نفسها، وذلك لاستعادة حوالى الثلثين من 10.2 مليار متر مكعب من المياه التي كانت تغادر منطقتها عبر حدودها إلى العراق. وقليل من السياسيين من ينظر بعين الجدّية إلى المآلات الأمنية الكارثية التي ستؤول إليها المنطقة نتيجة لصراع دول المنطقة حول السيطرة على الماء، دون تبنّي سياسة تكاملية تشاركية تُوحّد الأهداف والوسائل لمواجهة الخطر القادم، خاصة أن الاحتباس الحراري فيها يتزايد كل سنة بنسبة 1%.

يُضاف إلى ذلك، تهديد النزوح الناجم عن المناخ الذي يُغدّيه ارتفاع مستويات سطح البحر، فحوالى 9% من سكان المناطق الساحلية في الدول العربية يقيمون في مناطق يقلّ ارتفاعها عن 5 أمتار فوق سطح البحر. وقد حذّر خبراء من شبح الهجرة الداخلية، إذ ستضطرّ عائلات بكاملها إلى النزوح داخل بلدانها، وسيشمل النزوح 19.3 مليونا في دول شمال إفريقيا الخمس: مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب. وهذا سيشكّل بؤرة للجريمة والانحراف داخل المدن المستقطبة للهجرة القسرية.

تبقى إذن حلول تعزيز المرونة المناخية مرتبطة بإرادة سياسية جماعية قائمة على التزام جميع الدول العربية باتفاق باريس القاضي بتعزيز الاستثمارات المناخية، وتعبئة المجتمعات للانخراط في العمل المناخي، حتى تكون أهداف التنمية المستدامة شأنا مجتمعيا يتقاطع مع الإرادة السياسة للدول.

بقلم: محمد المعزوز – عروبة22