خسارة 3.7 مليون هكتار من الغابات الاستوائية في العام 2023

Apr 16, 2024

في كل دقيقة مرّت من العام 2023، كان العالم يخسر ما يعادل 10 ملاعب كرة قدم من الغابات الإستوائية. وفي نهاية العام الماضي، بلغت حصيلة الخسارة نحو 3.7 مليون هكتار من الغابات، الأمر الذي تسبّب بإنتاج 2.4 غيغا طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وهو ما يعادل نصف انبعاثات الوقود الأحفوري السنوي التي تنتجها الولايات المتحدة الأميركية. تأتي هذه المعطيات في وقت يواجه فيه العالم أزمة مناخ آخذة في التفاقم، علما أن الحدّ من إزالة الغابات هو واحد من التدابير الأكثر فعالية من حيث التكلفة للتخفيف من تغيّر المناخ.

وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة المقدّرة، فهي تمثّل، وفق معهد الموارد العالمية، انخفاضا في مسار فقدان الغابات بنسبة 9% مقارنة مع العام 2022، وتوازي معدّل الخسارات في عامي 2019 و2021. ويناط هذا “التقدّم” بالإرادة السياسية للبلدان المسؤولة، إذ تقول المعطيات إن مسار الانخفاض يعود بشكل رئيسي إلى تغير الرياح السياسية في كل من البرازيل وكولومبيا، ما ساهم في تحقيق تخفيضات ملحوظة في فقدان الغابات. في المُقابل، قوبلت هذه التخفيضات بزيادة فقدان مساحات خضراء في كل من بوليفيا ولاوس ونيكارغوا، ما يجعل تحقيق وعد وقف مسار فقدان الغابات الذي أطلق في (كوب26) والمنوي تحقيقه في العام 2030 صعبا.

ووفق المعطيات، فإن السبب الرئيسي وراء استمرار تدمير الغابات يعود إلى النشاط التي تقوم به الشركات الزراعية وشركات الطاقة، فضلا عن الحرائق التي يتسبّب بها ارتفاع الحرارة بسبب تغير المناخ. وفي كلتا الحالتين، يتبيّن أن “قادة المناخ” مسؤولون عن الالتزام بوعدهم عبر معالجة دوافع استمرار تدمير الغابات في تلك البلدان.

وقد انخفضت نسبة فقدان البرازيل لغاباتها في العام 2023، ووصلت إلى أدنى مستوى لها منذ العام 2015، وانعكس هذا الانخفاض في تدني حصّة البرازيل من إجمالي فقدان الغابات في المناطق الاستوائية من 43% من المجموع الاستوائي في العام 2022 إلى 30% من الإجمالي في العام 2023.

إلى ذلك، شهدت منطقة الأمازون أكبر انخفاض. إذ انخفضت خسارة الغابات بنسبة 39% في العام 2023 مقارنة بالعام 2022. وتعد غابات الأمازون أكبر غابة مطيرة في العالم، وهي تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة للتنوّع البيولوجي العالمي والتخفيف من آثار تغير المناخ.

وبحسب معهد الموارد العالمية، تزامن الانخفاض في فقدان الغابات في البرازيل مع انتقال القيادة الحكومية من الرئيس جايير بولسونارو إلى الرئيس لويز إيناسيو لولا دا سيلفا في بداية العام 2023. وأشار إلى أنه في خلال فترة ولاية بولسونارو، تآكلت تدابير حماية البيئة ودُمِّرت وكالات إنفاذ القانون. وفي المقابل، “تعهّد لولا بإنهاء إزالة الغابات في منطقة الأمازون والمناطق الأحيائية الأخرى بحلول العام 2030، وكان لديه بالفعل سجل ناجح في هذه القضية من إدارته السابقة”.

وخلص المعهد الى تأثير هذا الواقع على معدل فقدان الغابات، على الرغم من أنه لا يزال أعلى من أدنى مستوى له في أوائل العام 2010.

الأمر نفسه ينطبق على كولومبيا التي شهدت بدورها انخفاضا كبيرا في فقدان الغابات في العام 2023، بلغت نسبته 49% مقارنة بالعام 2022. وكان معدل فقدان الغابات في كولومبيا قد ارتفع بشكل ملحوظ في العام 2016، تزامنا مع اتفاق السلام الذي أبرمته البلاد مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك).

ومثل البرازيل، شهدت كولومبيا أيضا مؤخرا تغييرا في القيادة، حيث تم تنصيب الرئيس جوستافو بيترو أوريغو في أغسطس 2022، الذي تركّز إدارته على البيئة والإصلاح الريفي والسلام لتحقيق نوعية حياة أفضل للناس. وعلى الرغم من هذا التقدّم المُحرز في البلدين إلا أنه لا يمكن أن يعول عليه “عندما تتغيّر الرياح السياسية” بحسب معهد الموارد العالمية. بمعنى آخر، إن هذا التقدم يبقى مرهونا بإرادة القوى السياسية المسؤولية.

وفي الدورة السادسة لمؤتمر الأطراف (كوب26)، اتخذت 137 دولة خطوة وصفت حينها بـ”المهمّة” تقضي بالالتزام بوقف فقدان الغابات وعكس اتجاهه وتدهور الأراضي بحلول العام 2030. حينها، التزم عدد من الرؤساء التنفيذيون لأكثر من 30 مؤسسة مالية بالقضاء على الاستثمار في الأنشطة المرتبطة بإزالة الغابات.

حاليا، لم يتبقَ سوى ست سنوات حتى العام 2030، فيما تفيد المعطيات بأن هذا الهدف قد يكون غير قابل للتحقّق، فعلى الرغم من انخفاض فقدان الغابات في البرازيل وكولومبيا، تزايدت خسارة الغابات في بوليفيا ولاوس ونيكاراغوا، وهو ما يطرح في المقابل مخاوف جدّية من عدم إمكانية تنفيذه.

ففي بوليفيا مثلا، زادت خسارة الغابات بنسبة 27%، لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق للعام الثالث على التوالي. كما شهدت البلاد ثالث أكبر خسارة للغابات مقارنة بأي بلد استوائي آخر بالرغم من أنها تضم أقل من نصف مساحة الغابات الموجودة في جمهورية الكونغو الديموقراطية أو إندونيسيا. أما السبب الأساسي فهو أن الحرائق لا تزال تؤدّي دورا رئيسا، وهي مسؤولة بنسبة 51% عن فقدان الغابات في العام 2023.

وغالبا يتم إشعال هذه الحرائق من قبل البشر لأغراض استثمارية، أو بسبب الحرارة القياسية، كما الحال في بوليفيا في العام 2023، حين انتشرت الحرائق بفعل مزيج من العوامل الناجمة عن تغير المناخ الذي يسبّبه الإنسان وظاهرة النينيو المناخية.

إلى ذلك، شهدت لاوس في العام 2023 أيضا أعلى معدّل فقدان للغابات مُسجّل منذ العام 2001، مع زيادة بنسبة 47% عن المستوى القياسي المرتفع بالفعل في العام 2022.

وفي العام 2023 وحده، تم فقدان 1.9% من الغابات المتبقية في لاوس، وهو معدّل من الخسارة أسرع بخمس مرات من البرازيل بما يتناسب مع مساحة غاباتها.

إن فقدان الغابات في لاوس يعود في الغالب إلى التوسع الزراعي، بمعنى آخر، إلى الطلب والاستثمار في قطاع الزراعة في لاوس من قبل الصين التي تعدّ أكبر مستورد للمنتجات الزراعية في لاوس. وقد يساهم الوضع الاقتصادي في لاوس أيضا في زيادة فقدان الغابات.

أما نيكارغوا، فقد شهدت بدورها أيضا زيادة في فقدان الغابات في العام 2023، إذ فقدت 60 ألف هكتار. وفي حين احتلت البلاد المركز الحادي عشر من حيث أعلى مساحة من فقدان الغابات في المناطق الاستوائية في العام 2023، إلا أنها سجلت أعلى معدل لفقدان الغابات بالنسبة لحجمها، إذ خسرت البلاد 4.2% من غابتها المتبقية في عام واحد.

كذلك، تتواصل خسارة الغابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، علما أن حوض الكونغو هو آخر غابة إستوائية كبرى لا تزال بمثابة مخزن للكربون. وتعاني معظم دول حوض الكونغو من مستويات منخفضة باستمرار من فقدان الغابات، مثل الغابون وجمهورية الكونغو، وكلاهما من البلدان التي تعاني من معدلات عالية من إزالة الغابات المنخفضة.

إن دوافع الخسارة في جمهورية الكونغو الديمقراطية هي في الغالب الزراعة المتنقلة، إذ يتم تطهير الأرض وحرقها لزراعة المحاصيل على المدى القصير وتركها بورا لتجديد الغابات ومغذيات التربة، وكذلك إنتاج الفحم، وهو الشكل السائد للطاقة في البلاد عن طريق قطع وحرق الأخشاب.

أما إندونيسيا، فقد شهدت زيادة في فقدان الغابات بنسبة 27% في العام 2023، وهو عام ظاهرة النينيو، على الرغم من أن المعدل لا يزال أقل بكثير من منتصف العقد الأول من هذا القرن.

تُذكّر هذه المعطيات بشكل أساسي بمسؤولية الدول عموما، وقادة المناخ خصوصا، عن معالجة دوافع استمرار أفعال القضاء على الغابات، وإثبات جديتها في البحث عن حلول لأزمة تغير المناخ التي ستدمر الكوكب.

المصدر: موقع صفر