فرض الضرائب على الملوّثين هو مفتاح العدالة المناخية

Apr 16, 2024

بعد سنوات من تجنب أي ذكر صريح للسبب الرئيسي لتغير المناخ، توصل المفاوضون في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي استضافته دبي العام الماضي (كوب28) أخيرا إلى اتفاق يدعو إلى “الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري”. لكن هناك سؤال آخر غير مريح لا يزال يلوح في الأفق: كيف سيتم تمويل هذا التحوّل؟ وكما لاحظ مؤخرا سايمون ستيل، مسؤول المناخ في الأمم المتحدة، “إن من الواضح بشكل صارخ أن التمويل هو العامل الحاسم الذي سيقرر النجاح أو الفشل في معركة المناخ العالمية”.

سيكون تمويل المناخ القضية الأكثر أهمية في مؤتمر تغير المناخ (كوب29) بأذربيجان هذا العام، وفي مؤتمر تغير المناخ (كوب30) بالبرازيل في عام 2025، وعلى الرغم من التعهدات الأخيرة بتقديم الأموال لإنشاء صندوق جديد “للخسائر والأضرار” لمساعدة البلدان النامية على التعامل مع تغير المناخ، فإن التمويل الحالي أقل بكثير مما هو مطلوب، إذ تشير تقديرات الاتحاد الأوروبي إلى أنه يتعين عليه استثمار 1.5 تريليون يورو (1.63 تريليون دولار أمريكي) سنويا اعتبارا من عام 2031 لتحقيق صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050، ومن المتوقع أن تحتاج البلدان النامية (باستثناء الصين) إلى 2.4 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2030، كما أن البرازيل وحدها تحتاج إلى 200 مليار دولار إضافية لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات لعام 2030.

إن تباطؤ النمو والظروف النقدية الصعبة في أعقاب جائحة كورونا يعني أنه حتى الدول الغنية تعمل بقدرات مالية محدودة، وعلى الرغم من أن هناك حاجة إلى المزيد من رأس المال الخاص في كل مكان، فإن دوره سيكون أقل في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وذلك بسبب الأقساط الكبيرة التي يتوجب عليها دفعها عندما تقترض للمشاريع الخضراء.

إن الأمر يتطلب سياسات جديدة جريئة لحشد التمويل العام، وهناك أسباب قوية تدعونا لفرض ضرائب تصاعدية على الأنشطة كثيفة الكربون والثروات المفرطة، وكلاهما من شأنه أن يعمل على تحقيق العائدات بالإضافة إلى تعزيز مبدأ “المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة” ليشمل الصناعات والأفراد. الضرائب هي الأداة المعيارية التي تستخدمها الدول لجمع الأموال بشكل يمكن التعويل عليه وعلى نطاق واسع، وبالتالي الالتزام بخطط الإنفاق والاستثمار الطويلة الأجل.

أما بالنسبة للبلدان النامية، على وجه الخصوص، فإن القدرة على التنبؤ بشأن الضرائب تجعلها أكثر فائدة من التمويل الميسّر. علاوة على ذلك، يمكن للضرائب الجديدة أن تحقق موارد إضافية للدول لتخصيصها في الاستثمارات المرتبطة بالمناخ، ما يغنيها عن الاضطرار إلى إعادة تخصيص التمويل الشحيح ضمن الميزانيات القائمة، إذ أن فرض ضريبة على المعاملات المالية بنسبة 0.1%، على المستوى العالمي، من الممكن أن تجمع ما يصل إلى 418 مليار دولار سنويا، في حين أن ضريبة متواضعة نسبيا تبلغ 5 دولارات عن كل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الممكن أن تحقق 210 مليار دولار سنويا.

لقد دعا صندوق النقد الدولي منذ فترة طويلة إلى فرض الضرائب على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون واستخراج الوقود الأحفوري، كمصدر لتمويل المناخ وتشكيل الحوافز، إذ أن العائدات الإضافية من هذه الضرائب من شأنها أن تساعد البلدان ذات الدخل المرتفع على الوفاء بالتزاماتها الأخلاقية تجاه البلدان الأكثر فقرا والأكثر ضعفا. وفي ظل الظروف الراهنة، فإن المساعدات المالية التي تقدمها الدول الغنية للدول النامية لابد أن تكون ذات حجم أكبر من التعهد الحالي الذي يبلغ 100 مليار دولار سنويا.

ومن شأن ضرائب التلوّث أن تساعد أيضا في معالجة أوجه عدم المساواة داخل البلدان، علما أنه حتى في تلك الاقتصادات التي سجّلت انخفاضا تاريخيا في الانبعاثات لا تزال هناك فجوة كبيرة بين معظم الانبعاثات الصادرة عن السكّان والجهات التي تعتبر أكبر مصدر للانبعاثات. ويرى الخبير الاقتصادي، لوكاس شانسيل، أن “التفاوت في الكربون” أكبر داخل البلدان نفسها مقارنة بين بلد وآخر، وأنه يرتبط بالتفاوت في الدخل والثروة، وهذا ينبغي ألا يكون مفاجئا على الصعيد العالمي، فإن أغنى 1% من سكان العالم يبثّون نفس حجم الانبعاثات التي يبثها أفقر 66% مجتمعين.

إن المواطنين العاديين يدركون هذا الظلم، وفي واقع الأمر يهدد هذا الظلم على نحو متزايد قدرتنا على بناء واستدامة الإجماع السياسي على سياسات مناخية فعّالة. إن الضرائب التي تهدف إلى ضمان أن أولئك الذين يملكون أكبر الإمكانيات وأعلى الانبعاثات يدفعون حصتهم العادلة من شأنها أن تلعب دورا كبيرا في إقناع عامة الناس بأن “الانتقال العادل” ليس مجرد شعار فارغ. لكن على الرغم من قوة الأسباب لفرض مثل هذه الضرائب من الناحية النظرية، فقد ثبت أن تبنيها وتنفيذها أمر بالغ الصعوبة، إذ يتحرك رأس المال والناس (وخاصة الأثرياء) والانبعاثات بسهولة عبر الحدود، ما يقوّض كفاءة الأنظمة الضريبية الوطنية أو الإقليمية، وعلى الرغم من أن التعاون عبر الحدود في مجال الضرائب ليس بالأمر السهل على الإطلاق، فإن الاتفاق الدولي من شأنه أن يمنح البلدان المزيد من النفوذ على مواردها الخاصة، ما يسمح لها بحماية من هم في أمس الحاجة.

إن النظام المتعدد الأطراف سيكون في مصلحة كل دولة، وهناك دلائل مشجّعة تشير إلى أن المحرمات السياسية ضد فرض الضرائب بدأت تضعف، إذ دعا النص الذي وافقت عليه جميع الأطراف في مؤتمر الأطراف (كوب28) صراحة إلى “تسريع الدعم المستمر لمصادر تمويل جديدة ومبتكرة، بما في ذلك الضرائب”.

وفي نوفمبر الماضي، أصدرت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قرارا لإنشاء اتفاقية إطارية بشأن التعاون الضريبي الدولي، ما يمهّد الطريق لنهج أكثر عدالة في وضع القواعد العالمية. والآن، تدرس مجموعة العشرين، بقيادة البرازيل، فرض حد أدنى عالمي من الضريبة على ثلاثة آلاف ملياردير في العالم، الذين يدفعون حاليا معدل ضريبة فعليا أقل بكثير من بقية السكان، إذ تشير تقديرات مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي إلى أن فرض ضريبة سنوية بنسبة 2% على ثرواتهم -إذا تم تنسيقها بشكل صحيح- من الممكن أن تجمع 250 مليار دولار سنويا.

وللاستفادة من هذا الزخم، أطلقت مجموعة متنوعة من البلدان قوة مهام جديدة على مستوى العالم ومختصة بالضرائب، وتتلخص مهمتها، التي يترأسها بشكل مشترك زعماء كينيا وبربادوس وفرنسا، في استكشاف السياسات الضريبية القادرة على جمع ما يعادل 0.1% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لتمويل التنمية المستدامة والعمل المناخي. إن الفكرة هنا لا تكمن في وصف حل واحد لكل البلدان، بل في تقييم العقبات السياسية والفنية التي تعترض العديد من الخيارات المعقولة، بالاعتماد على مجموعة متنوعة من الخبراء ووجهات النظر. وهناك العديد من الخيارات المطروحة، بما في ذلك الضرائب على الطيران والشحن واستخراج الوقود الأحفوري والمعاملات المالية، وسوف تسعى قوة المهام إلى تعزيز فهمنا لكيفية تطبيق هذه الضرائب بشكل عادل، وربما يمهّد هذا الطريق للاتفاق على سياسات معينة.

إن من الممكن أن تكون الضرائب العادلة أداة قوية لتسريع عملية التحوّل العادل، ومن خلال المساهمة بنتائج تجريبية جديدة وتعزيز الثقة والتعاون بين البلدان، يمكن لقوة المهام الجديدة أن تساعد الجميع على التصدي لأوجه الظلم المرتبطة بأزمة المناخ وتوفير الموارد التي يحتاجون إليها لمعالجتها، إذ أن تخفيف العبء الواقع على الناس والبلدان الأكثر فقرا ليس مجرد التزام أخلاقي فحسب، بل من الضروري أيضا كسب دعمهم لعملية انتقالية لا يمكن أن تتم بدونهم.

بقلم: لورانس توبيانا – جريدة عُمان