الدبلوماسية والمفاوضات بشأن تغير المناخ

Apr 10, 2024

في خضم تعقيدات السياسات العالمية، تبرز دبلوماسية ومفاوضات تغير المناخ كخيوط رئيسية تجمع مصائر الأمم والنظم البيئية والأجيال المقبلة. الحاجة الملحّة لمعالجة التأثيرات المتصاعدة لتغير المناخ أدّت إلى تحفيز مجال فريد من الدبلوماسية الدولية، حيث الرهانات وجودية والتحديات جبارة.

دبلوماسية المناخ ليست مجرد حماية للبيئة، إنها تتعلق بتأمين مستقبل مستدام للإنسانية. تشمل المفاوضات المعقدة بين الدول للحد بشكل جماعي من انبعاثات الغازات الدفيئة، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، ودعم الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. هذا الجهد الدبلوماسي مستند إلى الاعتراف بأن تغير المناخ يتجاوز الحدود، ما يجعل الأفعال الأحادية غير كافية. فقط من خلال الجهود الجماعية العالمية يمكننا أن نأمل في التخفيف من تأثيرات تغير المناخ.

الطريق إلى العمل العالمي المتماسك بشأن تغير المناخ مليء بالعقبات. أحد التحديات الرئيسية هو الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية. الدول المتقدمة، المسؤولة تاريخيا عن الجزء الأكبر من انبعاثات الغازات الدفيئة، من المتوقع أن تقود بالمثال في تقليل الانبعاثات وتمويل العمل المناخي. من ناحية أخرى، تسعى الدول النامية للحصول على دعم لتنمو بشكل مستدام والتكيّف مع تأثيرات المناخ من دون التضحية بأهدافها التنموية.

تعتبر اتفاقية باريس، التي تم تبنّيها في عام 2015، إنجازا بارزا في دبلوماسية تغير المناخ. للمرّة الأولى، التزمت كل دولة في العالم تقريبا بالحد من الاحترار العالمي إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، مع الجهود للحد من الزيادة في درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. وتستند الاتفاقية إلى المساهمات المحددة وطنيا (NDCs)، إذ يحدد كل بلد أهدافه الخاصة لتقليل الانبعاثات، ما تجسّد، إلى جانب آلية المراجعة وتعزيز الأهداف بانتظام، مبادئ المسؤولية المشتركة والعمل الجماعي.

وأظهر مؤتمر الأطراف (كوب26) لتغير المناخ في غلاسكو في عام 2021 ديناميكيات دبلوماسية تغير المناخ بشكل أكبر، إذ حثّت الدول على تقديم مساهمات وطنية محددة أكثر طموحا والالتزام بالتخلص التدريجي من الفحم، والحد من إزالة الغابات، وزيادة الدعم المالي للعمل المناخي في الدول النامية. وعلى الرغم من تحقيق تقدم، إلا أن المؤتمر سلّط الضوء أيضا على الفجوات بين الالتزامات الحالية والإجراءات اللازمة للحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، ما يؤكد الحاجة المستمرة للمشاركة الدبلوماسية والمفاوضات.

كما تُظهر الأحداث الأخيرة تحديات وتطورات مهمة فيما يتعلق بدبلوماسية ومفاوضات تغير المناخ، حيث شهد مؤتمر شرم الشيخ لتغير المناخ (كوب 27)، الذي عُقد في 2022، تجمع دول العالم لاتخاذ إجراءات نحو تحقيق الأهداف العالمية المشتركة للمناخ كما هو متفق عليه في اتفاقية باريس. وشارك في المؤتمر رؤساء الدول والحكومات، كما تم تخصيص جزء كبير من المؤتمر للجلسات عالية المستوى والتي شارك فيها الوزراء بشكل أساسي.

وعُقدت الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر الأطراف (كوب28) في دبي العام الماضي، وشكلت نقطة تحول كبيرة في الجهود العالمية ضد تغير المناخ، حيث أُعلن عن بداية “نهاية عصر الوقود الأحفوري”. وقد انتهى المؤتمر باتفاق تاريخي يؤكد على الانتقال السريع والعادل والمنصف إلى الطاقة المتجددة، بهدف الحفاظ على الحد من زيادة درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية ضمن الإمكان.

كما يتضمن هذا الاتفاق “التقييم العالمي الشامل” الذي يعد بمثابة المحور الرئيسي لتسريع إجراءات التغير المناخي قبل نهاية العقد، ويدعو إلى ثلاثة أضعاف زيادة القدرة على توليد الطاقة المتجددة وضعف تحسين كفاءة الطاقة بحلول 2030، من بين إجراءات أخرى تهدف إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

تُظهر هذه الأحداث التداخل بين السياسة الدولية والجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ، كما تبرز التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي في سبيل تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال الحيوي.

وبينما ننظر إلى المستقبل، يعتمد نجاح دبلوماسية تغير المناخ على ثلاث ركائز رئيسية، وهي الابتكار في التكنولوجيا والسياسة لتطوير حلول مستدامة يمكن تبنّيها عالميا، وكذلك الشمولية التي تضمن سماع أصوات جميع أصحاب المصلحة، خصوصا ما يرتبط بالمجتمعات الضعيفة والأصلية، واحترامها في عملية المفاوضات، إضافة إلى النزاهة في الالتزام والإبلاغ عن التقدم بشفافية، ما يعد أمرا أساسيا لبناء الثقة بين الأمم.

في الختام، تمثل دبلوماسية ومفاوضات تغير المناخ منارة أمل في سعينا الجماعي لمستقبل مستدام. وبينما تظلّ التحديات قائمة، يُظهر التقدم المحرز حتى الآن الإمكانات للتعاون العالمي في مواجهة أهم قضية في عصرنا. وفي ظلّ التنقل في تعقيدات العلاقات الدولية، دعونا نبقى ثابتين في التزامنا تجاه الكوكب وتجاه بعضنا البعض.

بقلم: إلهام الشحيمي – النهار العربي