تصحيح المسار قبل الخطة البديلة

Apr 04, 2024

‏تحقيق هدف زيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف بحلول 2030 لن يكون متاحا وفق المسار الحالي. لكن الأمر قابل للتنفيذ من الناحية التقنية، ويتمتع بجدوى اقتصادية كبرى، شرط تبنّي الدول سياسات داعمة وتوفير استثمارات على نطاق واسع. هذا الهدف، الذي وضعته القمة المناخية الأخيرة في دبي، ضروري لتخفيض الانبعاثات بما يمكّن من التصدّي لارتفاع معدلات الحرارة وتجنب تأثيراتها الكارثية.

‏جاء هذا التحذير الصريح من أن “العالم ليس على المسار الصحيح في العمل المناخي” في التقرير الأخير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا). غير أن التقرير حمل أيضا معطيات إيجابية، فقد سجّل عام 2023 رقما قياسيا في نشر مصادر الطاقة المتجددة، بدعم من السياسات المتطوّرة التي اعتمدتها بعض البلدان، والتحوّلات الجيوسياسية، عدا عن انخفاض التكاليف على نحو سريع، بحيث أصبح إنتاج الكهرباء من الشمس الأرخص على الإطلاق. لكن التقدم كان محصورا في بلدان محددة، وهو بعيد جدا عن هدف زيادة الإنتاج ثلاثة أضعاف. وإذا كانت كلفة إنتاج الكهرباء من الشمس شهدت انخفاضا كبيرا، فما زال التخزين عملية مكلفة، يتطلّب تجاوزها تطوير تقنيات ثورية وتعميمها على نطاق واسع.

‏كما أن لهدف زيادة قدرات الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف خلال 6 سنوات متطلّبات ضخمة، يسير العمل عليها ببطء حتى الآن. ومن أهمّها توافر ‏إرادة سياسية قوية تُترجَم في برامج وقوانين لا تتغير وفق الظروف والتظاهرات والشعارات الانتخابية الشعبوية، وتعزيز البُنى التحتية من شبكات نقل وتوزيع، وتدريب القوى البشرية المؤهلة للتنفيذ، وقفزة عملاقة في التمويل من جميع المصادر المتاحة، وتعزيز التعاون الدولي. ذلك أن الزيادة المستهدفة تعني تركيب ما يفوق ألف غيغاوات من الطاقة المتجددة سنويا، ومضاعفة الاستثمارات من 570 مليار دولار حاليا إلى ما يزيد على 1550 مليار دولار سنويا حتى 2030. كل هذا يتطلّب التغلب على كثير من العوائق المنهجية والهيكلية المعرقِلة لتحوّل الطاقة، التي تبعده عن المسار الصحيح.

‏من الواضح أن الوقائع والأرقام تؤكد أن الأهداف المعلنة لتحوّلات الطاقة والعمل المناخي ما زالت بعيدة المنال. والتصحيح يتطلّب تدخلا عاجلا على مستوى السياسات، يؤدي إلى زيادة ميزانيات البحث العلمي في مجالات الطاقة المتجددة، ومضاعفة الاستثمارات في الشبكات وأنظمة التخزين، وتطوير المهارات البشرية، وضخ الاستثمارات الجديدة عبر القطاعين العام والخاص والشراكات الدولية.

‏لكن لن تتحقق أهداف التحوّل الطاقوي والعمل المناخي إذا انحصرت الاستثمارات في الدول الغنية، وما لم تحصل الدول النامية على ما يكفي من فرص الاستثمار. فلا بد من وصول التدفقات المالية إلى الدول الفقيرة اقتصاديا والغنية بالموارد الطبيعية والبشرية، على شكل استثمارات لا مجرّد قروض، ورفع مساهمة صناديق التنمية الوطنية والإقليمية والدولية. فلا تكفي مواعظ التحوّل إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، في غياب الدعم التقني والمالي وضخ الاستثمارات الكافية في الدول الفقيرة. كما لا يجوز استمرار بعضهم باتخاذ “فقر الطاقة” حجّة للاستمرار في استخدام المصادر الملوِّثة، إذ لا ينبغي تجاهل انخفاض تكاليف الطاقات النظيفة والمتجددة كعنصر رئيسي للقضاء على فقر الطاقة.

‏هذه كلّها تدابير في متناول اليد، إذا توافرت الإرادة السياسة لتنفيذها، بما يضمن تحقيق الأهداف في الوقت المطلوب. غير أن القوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية العظمى هي التي تُعيق التنفيذ أساسا، إلى جانب تلكُّؤ قسم كبير من الدول النامية عن اعتماد مبادئ الحكم الرشيد.

‏العالم أمام معضلة حقيقية، يتطلّب الخروج منها تعاونا من الجميع لاعتماد مسار جديد واقعي وعادل. ولا يفيد استغلال البعض لخطأ من هنا وعرقلة من هناك للتهديد بأن التحوّل الطاقوي يهدد بإرجاع البشرية إلى العصر الحجري. فالتغير المناخي ليس وهما، لكنه حقيقة يهدد التقاعس عن مواجهتها الوجود البشري برمّته. لذلك على الجميع العمل لتصحيح المسار بما يُفضي إلى تحقيق الأهداف الكبرى، وفق خطة واقعية.

‏تقرير إيرينا الأخير يؤكد أنه مع ضرورة العمل على تصحيح المسار بما يؤدي إلى تحقيق الأهداف المناخية المتفق عليها، لا بد من الاستعداد لخطة بديلة إذا استمر البطء في تنفيذ التغيير المطلوب. غير أن تصحيح المسار لتسريع التنفيذ يجب أن يسبق الانتقال إلى “الخطة ب” البديلة.

بقلم: نجيب صعب – الشرق الأوسط