تأثير الحروب على تغير المناخ والبيئة

Apr 01, 2024

تلحق الحروب الضرر بالبيئة بصورة مباشرة، لكنها أيضا تتسبب بتعزيز تغير المناخ الذي يرتد على البيئة بصورة غير مباشرة، وبطرق قد تعرض الصحة العامة للخطر، وتدمر التنوع البيولوجي لسنوات قادمة.

تسبّبت حروب بخسائر كارثية في الأرواح، ونزوح واسع النطاق، وأزمات غذاء عالمية متنامية، كما ألحقت أضرارا بالغة بالبيئة الطبيعية في أماكن حدوثها.

خلال حرب فيتنام، جرى تدمير أكثر من 5 ملايين فدان من الغابات و500 ألف فدان من الأراضي الزراعية. وفي العراق، تقلّصت مساحة الأهوار الخضراء إلى 10% خلال الحرب الإيرانية العراقية. كما فقدت أفغانستان ما يقرب من 95% من غطائها الحرجي خلال العقود الأخيرة.

ولوّثت الهجمات على المنشآت الصناعية إمدادات المياه الجوفية، كما هدد القصف المتعمد لملاجئ الحياة البرية التنوع البيولوجي، وتسبّب الإحراق المتعمد للغابات الطبيعية بهدف كشف المخابئ التي تحتمي بها الأطراف المتصارعة بتقليل الموارد الطبيعية التي تستهلك غاز ثاني أوكسيد الكربون وتمنح الأوكسيجين، ما زاد من مخاطر تغير المناخ بشحن الطبقات الجوية العليا بالغازات الدفيئة التي تزيد من ارتفاع درجات الحرارة وتخرّب عمل الأنظمة الإيكولوجية.

لكن تأثير الحروب لا يتوقف على البيئة والتنوع البيولوجي فقط، بل يمتد إلى الاقتصاد العالمي الذي يتضرر من جرّاء الحصار على حركة النقل تارة، أو قطع إمدادات الطاقة، أو قطع الإمدادات الغذائية المختلفة، أو من انصراف المتحاربين عن الأداء الصناعي والتجاري بسبب المخاطر التي تتأتى من الحرب، وهذا الأمر ليس محدودا بالأطراف المتصارعة وحدها، بل بالدول المجاورة وحتى البعيدة.

ومع كل يوم إضافي من الحرب، تتضاءل قدرة البلدان على استعادة مجتمعها وبيئتها النابضة بالحياة، وتتقلّص قدرتها على التحول إلى اقتصاد يستبعد الوقود الأحفوري، ما يطيل من عمر تغير المناخ، ويؤدي إلى انتشار المواد السامة، وإلى أجواء مختنقة بالأبخرة الكيميائية.

ولا بد من الإشارة إلى أن الحروب تؤدي أيضا إلى تلويث المسطحات المائية والتربة والهواء، ما يجعل المناطق غير آمنة للعيش فيها، خاصة تلك التي تستخدم فيها المواد الكيميائية المحظورة عالميا.

وإذا ما جرى احتساب ما ينتج عن جيوش العالم من الغازات الدفيئة، فإنه يقدر بنحو 6% من جميع الانبعاثات، ويعتقد أن النسبة أعلى، لكن العديد من الحكومات لا تقدم بيانات عن الانبعاثات الناجمة عن الأنشطة العسكرية، وما ذلك إلا لإخفاء المعلومات عن الترسانة الحربية.

في الواقع، ليس عامة الناس وحدهم من يجهلون ذلك، بل إن صناع السياسات أيضا غير مدركين له. حتى في وقت السّلم، تستهلك الجيوش كميات هائلة من الطاقة السوداء. على سبيل المثال، فإن 40% من استخدام الوقود الأحفوري يقع في مباني وزارة الدفاع الأميركية البالغ عددها بالآلاف، تشمل مرافق التدريب والمهاجع والمصانع والمباني الأخرى في القواعد العسكرية المنتشرة حول العالم، والبالغ عددها 800 قاعدة.

وفي دول مثل سويسرا والمملكة المتحدة، تستهلك وزارات الدفاع معظم كميات الوقود الأحفوري المخصصة للوكالات الحكومية. كما لا تقوم الدول التي تمتلك جيوشا ضخمة، مثل الصين وروسيا وفرنسا، بالإبلاغ عن إجمالي انبعاثاتها، لكن من المتوقع أن يكون النمط هو نفسه.

في بعض الحروب تستخدم المواد الكيميائية في سياسة الأرض المحروقة التي تدمر الطبيعة، كما أن النظم البيئية البحرية ليست محمية من التلوّث الذي تتسبب به الحروب، ففي الواقع، تطلق السفن الحربية كميات هائلة من النفايات والمواد الكيميائية المحظورة، وهذا يؤدي إلى تدهور الموائل البحرية والسواحل وانطلاق الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، ما يسبب العواصف الهوجاء المدمّرة والفيضانات العاتية والصقيع القارس المُميت، وعدم انتظام الأمطار على كوكب الأرض، وارتفاع درجة الحرارة غير المحتملة.

بقلم: غسان الجرادي – العربي الجديد