هل العرب مستعدون لمواجهة آثار التحوّل المناخي؟

Mar 31, 2024

تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات بيئية متزايدة، بما في ذلك ندرة المياه، وارتفاع درجات الحرارة، والتصحر. وتُعد التغيرات المناخية من العوامل الرئيسية التي تُفاقم هذه التحديات، إذ تؤثر على أنماط هطول الأمطار، ودرجات الحرارة، ومستويات سطح البحر.

ومع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب، تتعرض العديد من مكونات النظام البيئي لتغيّرات كبيرة. وتُعد “نقاط التحوّل المناخي” من أخطر هذه التغيّرات، إذ تُشير إلى عتبات حرجة في النظام البيئي قد تؤدي عند تجاوزها إلى عواقب وخيمة يصعب معالجتها.

وتُعرّف الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ نقاط التحوّل بأنها “العتبات الحرجة التي يمكن أن تؤدي عند تجاوزها إلى تغيير كبير في حالة النظام، وغالبا ما يكون هذا التغيير غير قابل للمعالجة”. وبعبارة أخرى، فإن نقاط التحوّل المناخي هي عناصر في النظام البيئي لكوكب الأرض، يمكن أن تؤدي فيها تغيّرات صغيرة إلى سلسلة من ردود الفعل المتتالية التي تحوّل النظام من حالة مستقرة إلى حالة مختلفة تماما.

فعلى سبيل المثال، قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى تحوّل الغابات المطيرة إلى سهول جافة، ويستمر هذا التغيير مدفوعا بحلقات من ردود الفعل الذاتية، حتى لو توقّف السبب الذي أدّى إلى تغيير النظام. وقد يظلّ النظام في حالة “تحوّل” حتى لو انخفضت درجة الحرارة إلى ما دون العتبة الحرجة مرة أخرى.

وتُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر المناطق عرضة لتأثيرات التغيرات المناخية، إذ تُصنف من بين البلدان الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي في العالم نتيجة عوامل مختلفة، منها مناخ المنطقة الجاف وشبه الجاف، وندرة المياه، وتدهور الأراضي والتصحر، والنمو السكاني السريع، وضعف الممارسات الزراعية، وتركّز الزراعة في المناطق الساحلية المهددة بارتفاع منسوب مياه البحر، ما قد يؤدي إلى تفاقم هذه المشاكل بفعل التغيرات المناخية.

ويمكن للتغيرات المناخية أن تؤثر على الصحة في البلدان العربية بطرق عدة، كأن تؤدي موجات الحرّ إلى الإصابة بضربات الشمس، والجفاف، وأمراض القلب والأوعية الدموية. كما قد تؤدي الفيضانات إلى انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والتيفوئيد.

ومن المتوقع أن يكون للتغيرات المناخية تأثير كبير على اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى إلحاق أضرار بالبنية التحتية الساحلية، وتشريد السكان. كما قد تؤدي موجات الحرّ والجفاف إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية، وزيادة تكاليف الطاقة، والإضرار بالصحة. وقد تترك آثارها أيضا على الاستقرار السياسي، حيث يؤدي الجفاف والفيضانات مثلا إلى تفاقم الصراعات القائمة على الموارد.

ومع الأخذ في الاعتبار تداخل عناصر النظام البيئي لكوكب الأرض وتكاملها، فإن حصول عتبات حرجة في هذا النظام سيطول تأثيره جميع مناطق الكوكب بعواقب متباينة ومختلفة. فعلى سبيل المثال، ستؤدي نقاط التحوّل المناخي المرتبطة بذوبان الصفائح الجليدية في غرينلاند والقطب الجنوبي إلى ارتفاع كبير في مستوى سطح البحر، ما يُهدّد المناطق الساحلية في الدول العربية.

وفيما يخصّ تغيّر الدورة المحيطية في شمال الأطلسي، التي تُعد نظاما مهما لنقل الحرارة في المحيطات، يجلب المياه الدافئة من المناطق الاستوائية إلى شمال الأطلسي ويُعيد المياه الباردة إلى الجنوب، فإن الدراسات تُشير إلى أن هذه الدورة في أضعف حالاتها الآن، وأن التغيرات المناخية هي السبب المُرجّح لذلك. وإذا استمرّ ضعف الدورة المحيطية، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة العواصف، واشتداد موجات الحرّ والشتاء في أوروبا، وقد يكون لهذا تأثير كبير على الدول العربية أيضا. ومن ناحية أخرى، قد يؤدي ذوبان التربة الصقيعية في القطب الشمالي إلى إطلاق كميات كبيرة من الغازات، ما يُسرّع وتيرة الاحتباس الحراري العالمي. وهذا بدوره سيؤدي إلى تفاقم مشاكل ندرة المياه، وارتفاع درجات الحرارة، والتصحر في المنطقة العربية.

وتُعدّ الشعاب المرجانية من النظم البيئية المهمة التي تدعم مجموعة واسعة من الحياة البحرية، بما في ذلك مصائد الأسماك التي يعتمد عليها الكثيرون في بلدان المنطقة. وقد يؤدي موت الشعاب المرجانية إلى تعطيل النظم البيئية البحرية، وتقليل توافر الغذاء.

وبينما تؤثّر الرياح الموسمية في غرب إفريقيا على هطول الأمطار في منطقة الساحل، وهي منطقة شبه قاحلة تمتدّ عبر إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فإن التغيّرات في الرياح الموسمية ستؤدي إلى تغيّرات في أنماط هطول الأمطار، ما يؤثّر على الغطاء النباتي في العديد من الدول العربية، وصولا إلى الأمن الغذائي.

وفي هذا السياق، يستدعي ازدياد تأثيرات التغيّر المناخي على المنطقة العربية أهمية تبنّي مبادرات تساعد في التكيّف مع التحوّلات الحاصلة. فتحسين إدارة المياه يساعد في زيادة كفاءة استخدام الموارد، وتقليل الهدر، والتكيّف مع ندرة المياه. وكذلك تُسهم زراعة المحاصيل المقاوِمة للجفاف في التكيّف مع انخفاض هطول الأمطار وزيادة الجفاف. كما تخفّف تدابير حماية المناطق الساحلية، مثل بناء السدود وحواجز الأمواج، مخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر. إضافة إلى أن أنظمة الإنذار المبكر تحسّن من الاستعداد للكوارث المناخية، مثل الفيضانات وموجات الحرّ.

يُذكر أن العالم حاليا يقف على مفترق طرق مناخيّ حرج، تزداد فيه مخاطر حصول تغييرات بيئية كبرى يمكنها تشكيل مصير الكوكب لمئات السنين. وهذه المخاطر، المتمثّلة بنقاط التحوّل المناخي، هي أشبه بتحريك القطعة الأولى في سلسلة حجارة الدومينو، بمجرّد أن تبدأ سيكون من الصعب إيقافها والتراجع عنها والتعافي من عواقبها.

المصدر: الشرق الأوسط