الحدّ من احترار الأرض لمستقبل مستدام مناخيا

Mar 30, 2024

العلم يؤكد أن أمننا المناخي على المحك. والبيانات العلمية تشدد على أن عام 2023 كان الأسخن في التاريخ المسجل للكوكب، وبفارق ملحوظ. والبيانات المناخية التي نسجلها تباعا هذا العام هي إنذار مبكر للبشرية.

يُشير تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، الذي صدر حديثا حول حالة المناخ، أن العالم يواصل تحطيم الأرقام القياسية المناخية على مختلف المستويات، حيث وصلت معدلات الغازات الدفيئة، وارتفاعات درجات حرارة سطح الأرض، وزيادة حرارة مياه المحيطات ودرجة حموضتها، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتراجع الغطاء الجليدي للبحر القطبي الجنوبي، وانحسار الأنهار الجليدية، إلى مستويات غير مسبوقة.

ففي عام 2023، ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية القريبة من السطح إلى 1.45 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل الصناعة في الفترة من 1850 – 1900، ليصبح العام الأكثر دفئا في فترة الرصد منذ 174 عاما. وهذا يتجاوز حتى الأرقام القياسية المسجلة في السنوات السابقة الأكثر حرارة، بما في ذلك عام 2016 عند 1.29 درجة مئوية وعام 2020 عند 1.27 درجة مئوية فوق خط الأساس المرجعي لفترة ما قبل الثورة الصناعية.

وفي السياق ذاته، وبنهاية فصل الشتاء الماضي، انحسرت مساحة الجليد البحري في منطقة القطب الجنوبي بمقدار مليون كيلو متر مربع عن المستوى القياسي المنخفض السابق، وهي مساحة تقارب مساحة فرنسا وألمانيا مجتمعتين.

وفي الوقت نفسه، يُحذّر علماء المناخ من أن الارتفاع المتسارع لحرارة تيارات المحيط الأطلسي التي تعبر المياه من خليج المكسيك إلى جرينلاند شمالا، ثم تعود مرة أخرى جنوبا، قد يصل إلى نقطة تحوّل خطيرة، ستتبعها بمجرد اختراقها فيضانات وتغيرات مناخية جذرية لا رجعة فيها.

ولانعدام الأمن المناخي تكلفة اجتماعية واقتصادية كبرى، إذ أثّرت شدة وتكرار موجات الحر والفيضانات والأعاصير والجفاف وحرائق الغابات التي اجتاحت كوكبنا العام الماضي على حياة الملايين حول العالم، وأضرّت بطرق معيشتهم. كما تكبد العالم خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات. وفي مثل هذه الظروف الخارجة عن السيطرة، تصبح محاولة استدامة النمو وتحقيق التنمية المستدامة أشبه بمحاولة إشعال نار تحت مطر منهمر.

يُمكننا الحد من ارتفاعات درجات الحرارة عبر التحوّل إلى الطاقة المتجددة، وهذا التحوّل قادر على تشكيل مسار أسرع وأكثر فاعلية للفرص الاقتصادية لتحقيق نمو أكثر استدامة، وتوفير المزيد من فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة. ولمعالجة الأزمة المناخية التي تتوالى فصولها، علينا تركيز طاقاتنا وجهودنا على ثلاثة محاور، هي: أولا، تسريع تحوّل الطاقة نحو نظام يعتمد على حلول الطاقة النظيفة والمتجددة.

لقد زاد العالم قدرات إنتاج الطاقة المتجددة بنسبة 50% في عام 2023 مقارنة بالعام الذي سبقه، وهذا زخم كبير وإنجاز نوعي، لكن علينا أن نستمر في استثمار أكثر من 5 تريليونات دولار سنويا في تقنيات وتطبيقات تحوّل الطاقة حول العالم لتلبية متطلبات مستقبل الحياد المناخي.

وثانيا، علينا أن ننفّذ استراتيجيات التخفيف والتكيف التي تساعد على تحقيق طموحات الحياد الصفري، فالارتفاع في درجة الحرارة الذي وصلنا إليه العام الماضي بواقع 1.45 درجة مئوية، يجب أن يكون إنذارا لنا إذا ما أردنا الحفاظ على عتبة 1.5 درجة مئوية في متناولنا. لكن حاليا يتجه العالم نحو تجاوز ذلك الحد وصولا إلى الحد الأقصى لارتفاع درجات الحرارة. لذلك، نحتاج جهودا جبارة والتزاما جديا برفع المساهمات المحددة من جانب بلدان العالم.

وثالثا، علينا لتحقيق طموحات الوصول إلى الحياد الصفري أن نعمل على إزالة الكربون من القطاعات الصناعية كثيرة الانبعاثات، وتوسيع نشر التكنولوجيا التي أثبتت جدواها في هذا المجال، بما في ذلك الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وطاقة الرياح، والمركبات الكهربائية.

ولضمان تلبية متطلبات هذه المعايير الثلاثة التي تدعم تحوّل الطاقة، علينا ترقية بنيتنا التحتية وتوسيعها وتحديثها، وإنشاء أطر تنظيمية وأسواق مناسبة لحقبة الطاقة المتجددة، وتوفير فرص التمويل لجعل كل ذلك ممكنا، ويجب أن تكون جهودنا مدفوعة بنهج شامل مبني على التعاون الدولي الذي يشمل الجميع دون استثناء.

بقلم: نوال الحوسني – الاتحاد