شحّ المياه وتغير المناخ… صراعات متوقعة في الشرق الأوسط

Mar 28, 2024

في عام 1992، حددت الأمم المتحدة يوم 22 مارس ليكون اليوم العالمي للمياه، بهدف إذكاء الوعي بالأمور ذات الصلة، واستلهام الإجراءات الرامية إلى التصدي للأزمة العالمية للمياه.

واختارت الأمم المتحدة موضوع يوم المياه العالمي لعام 2024 “المياه من أجل السلام”، وذلك على اعتبار أن “المياه قد ترسي السلام أو تشعل فتيل النزاع”، فعندما تكون المياه شحيحة أو ملوثة، أو عندما يفتقر الناس إلى الفرص المتكافئة للحصول على المياه أو تنعدم فرص حصولهم عليها، فإن التوترات قد تتصاعد بين المجتمعات والبلدان.

في هذا السياق، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرشحة لتكون من أكثر المناطق تأثرا وتضرّرا بالتغير المناخي حول العالم، والأكثر تأثرا بشحّ الموارد المائية الناجمة عنها، وهو ما بات أمرا واقعا في العديد من دول هذه المنطقة.

وتبرز في الشرق الأوسط ثلاث أزمات مياه تعتبر الأكثر حساسية وإلحاحا، لاسيما وأنها ترتبط بالأمن المائي لأكثر من نصف مليار إنسان موزَّعين على الدول المعنية بهذه الأزمات، وهي: أزمة مياه دجلة والفرات بين العراق وتركيا وإيران، وأزمة نهر النيل بين مصر والسودان واثيوبيا، وأزمة المياه المشتركة بين الأردن وإسرائيل.

وتزداد المخاوف في العراق، المُسمَّى تاريخيا “بلاد ما بين النهرين”، من خسارة الرافعة الحضارية الأساسية التي عاشت حول ضفافها الشعوب المتلاحقة على مدى آلاف السنوات، نهرا دجلة والفرات، اللذان يشهدان تراجعا تاريخيا في منسوبهما لم يسجل من قبل، وذلك لعوامل عدة، بعضها مرتبط بالتغير المناخي والبعض الآخر ناجم عن سياسات “دول المنبع”، أي تركيا وإيران.

ويعود أصل الأزمة بين الدول الثلاث إلى منطلقات كل دولة في نظرتها للمياه المشتركة فيما بينهم، ففي حين تعرّف الأمم المتحدة الأنهار الدولية بأنها “المجاري المائية التي تقع أجزاء منها في دول مختلفة”، لا توافق كل من تركيا وإيران على إسقاط هذا التعريف على الأنهر المشتركة مع العراق، إذ لم يوقّع أي من البلدين على اتفاقية الأمم المتحدة حول استخدام المجاري المائية للأنهار الدولية غير الملاحية لعام 1997، وهو ما يحلهما من الالتزام بالقانون الدولي في هذا الشأن.

ما يعانيه العراق من تأثير التغير المناخي، ينطبق على جاره الأردن الذي يصنف ثاني أفقر دولة في العالم بالمياه، وفق المؤشر العالمي للمياه، حيث نصيب الفرد منها يتراوح ما بين 60 و90 مترا مكعبا سنويا لكل الاستخدامات، في وقت يبلغ فيه خط الفقر المائي العالمي 1000 متر مكعب.

وتبلغ حاجة الأردن سنويا من المياه نحو مليار و400 مليون متر مكعب للاستخدامات كافة، يتوفر منها نحو 950 مليون متر مكعب، بينما يبلغ العجز المائي نحو 400 مليون متر مكعب، بحسب وزارة المياه والري الأردنية.

وتزداد الحاجة الأردنية للمياه مع تزايد عدد السكان وأعداد اللاجئين، إذ تقول الأمم المتحدة إن الأردن يشهد ثاني أعلى نسبة في العالم من حيث عدد اللاجئين نسبة للفرد الواحد.

ما يشهده الأردن اليوم فيما يتعلق بالمياه المشتركة مع إسرائيل، خير مثال على التأثير المتبادل ما بين السياسة والأمن المائي، وانعكاسه على علاقات الدول المتشاركة بمصادر المياه.

أما المشهد الجيوسياسي في شمال شرق إفريقيا فلا يختلف كثيرا، إذ كان المصدر الأبرز لخطر اندلاع نزاع في المنطقة يتمثل في الصراع المائي بين مصر والسودان وإثيوبيا حول مياه نهر النيل، بسبب قضية سد النهضة، قبل أن تستحوذ أحداث السابع من أكتوبر وما بعده على المشهد العام في منطقة الشرق الأوسط.

ومن المتوقع أن يكون لسد النهضة تأثير واضح على مستقبل تلك المنطقة، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، نظرا لما يمثله نهر النيل لدول حوضه، إذ يعد المصدر الوحيد المهم للمياه في شمال إفريقيا، ويعيش 40% من سكان قارة إفريقيا على حوض نهر النيل وروافده، الذي يعتبر الأطول في العالم.

كما تعتمد مصر بشكل خاص على نهر النيل في 97% من احتياجاتها المائية، للسكان كما للزراعة والصناعة، في وقت يصف البنك الدولي مصر بأنها من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ، ما يجعل الواقع المصري بالغ الحساسية تجاه أمنه المائي، لاسيما أن نصيب الفرد في مصر يبلغ 500 متر مكعب من المياه سنويا، أي نصف الحد الأدنى للفقر المائي الذي تحدده الأمم المتحدة بـ1000 متر مكعب.

وتشير تقديرات سابقة للأمم المتحدة إلى خطر نفاد المياه من مصر بحلول عام 2025، وأن مناطق عدة في السودان مُعرّضة بشكل متزايد للجفاف بسبب تغير المناخ، مثل دارفور، وهو ما يطرح تساؤلات حول المسارات التي يمكن أن تسلكها هذه الأزمة.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن الطلب على المياه العذبة ينمو بمعدل 1% سنويا منذ ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي تسبّب بزيادة مستمرة في عدد الأقاليم المعرّضة للضغط والفقر المائيين، حيث يعيش في الوقت الراهن نحو مليارَي إنسان في مناطق تعاني ضغطا مائيا كبيرا، بينما يعيش نحو 4 مليارات إنسان في أقاليم تعاني ندرة مائية حادة خلال ما لا يقل عن 30 يوما في السنة.

يُذكر أن الأمم المتحدة دعت في اليوم العالمي للمياه 2024، إلى تفعيل التعاون في مجال المياه، في سبيل تحقيق التناغم والازدهار والصمود في مواجهة التحديات المشتركة بين الدول، وذلك انطلاقا من كون المياه “ليست مجرد مورد يمكن استخدامه والتنافس عليه، بل هي حق من حقوق الإنسان، متأصل في كل صغيرة وكبيرة من مناحي الحياة، وهذا يتطلب التوحد واستخدام المياه من أجل إرساء السلام”.

بقلم: حسين طليس – الحرة