التغير المناخي يؤجج خطر حمى الضنك

Mar 19, 2024

يرقد المرضى بلا حراك في غرفة الانتظار، يئنّون طلبا للمساعدة، بينما تستمر عمليات بحث يائسة عن سرير متاح في المستشفى، وتنشب مشاجرات في غرفة الطوارئ حول الدواء.

منذ أحلك أيام جائحة كوفيد-19، عندما انهارت أنظمة المستشفيات في جميع أنحاء هذا البلد تحت وطأة المرض، لم تشهد البرازيل مثل هذه المشاهد. لكن هذه المرة، لم يكن فيروس كورونا هو الذي دفع الولايات في جميع أنحاء البلاد إلى إعلان حالة الطوارئ، بل بسبب حمى الضنك التي تنتشر في معظم أنحاء أميركا الجنوبية، حيث استنتج العلماء أن ارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ أدى إلى توسيع النطاق الإقليمي للبعوض الذي يحمل فيروس حمى الضنك وزيادة انتشاره.

في أول شهرين من هذا العام، سجلت باراجواي ما يقرب من 100 ألف حالة مشتبه فيها، أي أكثر من خمسة أضعاف المعدل المعتاد، كما أعلنت بيرو، التي عانت من تفشي المرض، حالة الطوارئ في معظم أنحاء البلاد، بينما شهدت الأرجنتين أيضا ارتفاعات كبيرة في الحالات. لكن المرض انتشر بقوة خاصة في البرازيل، حيث يتوقع علماء الأوبئة أن يصل عدد حالات حمى الضنك إلى الملايين، وأكثر من ضعف الرقم القياسي السابق، وربما يقتل الآلاف من الناس. وبحسب علماء الأوبئة، فإن أزمة الصحة العامة المتفاقمة هي تحذير للعالم، إذ دخل الصراع ضد المرض مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر ولا يمكن التنبؤ بها.

وتزحف حمى الضنك الآن إلى أماكن لم تكن موجودة فيها من قبل، مع ارتفاع أعداد الحالات إلى مستويات غير مسبوقة، فعلى مدار التاريخ، كان المرض يقتصر على المناخات الاستوائية، ولكن في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع الحالات بشكل كبير في معظم أنحاء العالم بمعدل ثمانية أضعاف منذ مطلع الألفية، امتد الفيروس بشكل متزايد إلى المناطق التي كانت بمنأى عنه إلى حد كبير.

والآن، يتم الإبلاغ عن انتقال المرض محليا في الولايات الأميركية الأكثر دفئا ورطوبة، إذ أبلغت فلوريدا العام الماضي عن رقم قياسي بلغ 178 حالة انتقال محلي، كما كشفت كاليفورنيا وأريزونا وتكساس أيضا عن انتقال الفيروس على المستوى المحلي.

ونشهد الديناميكية نفسها أيضا في جنوب أوروبا، حيث تم تسجيل العشرات من حالات الانتقال المحلي العام الماضي. ويحذر علماء الأوبئة من أن هذه ربما تكون البداية فقط، وفي السنوات المقبلة، مع توسع تغير المناخ لنطاق وصول بعوضة “الحمى الصفراء”، يمكن أن يصبح المرض منتشرا على نحو متزايد، بل وحتى متوطّنا، في معظم أنحاء جنوب أوروبا وجنوب الولايات المتحدة.

تقول جابرييلا بازبيلي، المتخصصة في حمى الضنك في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، “ترتفع حالات حمى الضنك بمعدل يُنذر بالخطر. لقد أصبحت أزمة صحية عامة ووصلت إلى أماكن لم تشهدها من قبل”.

عادة ما يتم تخفيف الخطر في المناخات الشمالية الأكثر ثراءً بسبب عوامل عدة، بما في ذلك انتشار النوافذ المغطاة، وتكييف الهواء على نطاق واسع، وممارسات الصرف الصحي القوية، والتي يمكن أن تقلل من عدد برك المياه الراكدة.

لكن علماء الأوبئة يقولون إنه لا ينبغي تجاهل هذا التهديد، خاصة هذا العام، فقد سجلت البرازيل أكثر من مليون حالة إصابة بحمى الضنك في شهري يناير وفبراير فقط، وبحلول نهاية العام، من المتوقع أن تعاني البلاد من 4.2 مليون شخص مصاب، وهو عدد أكثر مما تم تسجيله في جميع أنحاء الأميركتين العام الماضي خلال تفشي حمى الضنك بشكل قياسي.

لسنوات عديدة، كانت حالات الإصابة بحمى الضنك في البرازيل ترتفع بشكل مطرد، وقفز عددها من بضع مئات الآلاف سنويا في أوائل أغسطس إلى أكثر من 1.4 مليون في عام 2013، ثم مرة أخرى إلى ما يقرب من 1.7 مليون في العام الماضي. لكن هذا العام، تضافرت عدة قوى لإطلاق العنان لتفشي المرض بشكل لم يسبق له مثيل، فقد اصطدمت موجة حر غير عادية بظاهرة النينيو، والتي تتزامن غالبا مع انتشار أكبر لحمى الضنك، ما يؤدي إلى انتشار أوسع لبعوضة “الحمى الصفراء” وإطالة عمرها.

وقال كليبر لوز، المنسّق لأبحاث الأمراض المنقولة عن طريق بعوضة “الحمى الصفراء” في الجمعية البرازيلية لعلم الأوبئة، “الأمر لا يتعلق بعددها فحسب، بل بأنها تعيش لفترة أطول، حتى لو كان يوما أو يومين فقط، فسيؤثر ذلك على عدد حالات حمى الضنك”، مضيفا “إنني أتعامل مع حمى الضنك منذ عام 1997، ولم أشهد مطلقا عاما آخر تنتشر فيه الحالات الأربع جميعها في الوقت نفسه”.

أمّا عالم الأوبئة في مؤسسة أوزوالدو كروز البرازيلية للبحث العلمي، فيليبي نافيكا، فقد أكد على أن انتشار أنواع متعددة من حمى الضنك يكون محفوفا بالمخاطر بشكل خاص، لأن الناس يمكن أن يصابوا بالمرض مرات عدة خلال فترة قصيرة، ومن المحتمل أن تظل الحالات مرتفعة.

ومما يزيد تعقيد كفاح البرازيل ضد حمى الضنك، وجود عدد كبير من المشكلات الاجتماعية المزمنة التي استغلتها بعوضة “الحمى الصفراء”، مثل الفقر والتخطيط الحضري غير المنظم ونظام الصحة العامة المتعثر بشكل متكرر، إذ يعيش الملايين من البرازيليين في مجتمعات غير نظامية مكتظة بالسكان، وتسمى الأحياء الفقيرة أو “المحيط”، وغالبا ما تكون بعيدة عن متناول الخدمات الحكومية والمرافق الأساسية، فيقوم الناس بتخزين المياه في الخارج، ما يخلق مواقع لا حصر لها لتكاثر البعوض.

وبسرعة فائقة، اندفع المرض إلى أفقر جيوب المنطقة، والتي شكلت حلقة حول برازيليا، إذ بحلول نهاية شهر فبراير كان المرض منتشرا في كل مكان، مسجلا ما يقرب من 120 ألف حالة إصابة بحمى الضنك في مدينة يبلغ عدد سكانها 2.8 مليون نسمة، وبدأ نظام المستشفيات في المنطقة، الذي صمد أمام هجمة جائحة فيروس كورونا، في الترنح، بينما نفدت أسرة المستشفيات. وقال حاكم المنطقة، إيبانيس روشا، “لقد انهارت الآن الأنظمة الصحية العامة والخاصة في المنطقة الفيدرالية. الوضع خطير، وما زلنا لم نبلغ ذروة الوباء”.

بقلم: مارينا دياس وتيرينس مكوي، ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن» – الاتحاد