تكنولوجيا احتجاز الكربون والإرث النفطي الخليجي

Mar 13, 2024

تطمح شركات النفط والغاز الوطنية في دول الخليج العربي إلى ترسيخ نفسها كشركات رائدة في إنتاج الطاقة المنخفضة الكربون، وذلك عبر الاستثمار في التكنولوجيا التي يمكن أن تخفف من الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري، وتحديدا تكنولوجيا احتجاز الكربون. بالنسبة إلى شركات مثل أرامكو السعودية، وأدنوك الإماراتية، وشركة تنمية نفط عُمان، ومؤسسة البترول الكويتية، التي أعلنت كلها عن مستهدفات على صعيد الصفر الصافي للفترة 2045 – 2050، تكمن أهمية تكنولوجيا احتجاز الكربون في قدرتها على تسهيل التوافق مع الهدف الشامل لاتفاقية باريس، المتمثل في إبقاء الاحتباس الحراري عند عتبة الـ1.5 درجة مئوية.

ويُمثّل اعتماد احتجاز الكربون تدبيرا استباقيا للتخفيف من المخاطر المرتبطة بآليات تسعير الكربون والأطر التنظيمية في المستقبل، إذ من المرجح أن يزداد استخدام أدوات مثل آلية تعديل حدود الكربون التي وضعها الاتحاد الأوروبي وضرائب الكربون المباشرة على المنتجات المستوردة. كما يُعَد احتجاز الكربون وسيلة لتمديد دورة الأعمال الخاصة بإنتاج الهيدروكربونات من خلال تصنيع “وقود أحفوري أنظف” وأكثر قابلية للتسويق.

يتولّد حوالي 80% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في دول الخليج من الوقود الأحفوري والتصنيع. ومع تحوّل توليد الطاقة في الخليج نحو توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية، ستنخفض الانبعاثات الناتجة عن توليد الكهرباء والصناعات الثقيلة والتصنيع تدريجيا. مثلا، تخطط المملكة العربية السعودية لتحويل مزيج الطاقة لديها من الاعتماد شبه الكامل على الغاز (61%) والنفط (39%) عام 2021، إلى توليد 50% من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

وتأخذ حصة عوائد النفط والغاز في الانخفاض كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في جميع دول الخليج، حيث تتنوع هذه الاقتصادات باتجاه خدمات الأعمال والسياحة والخدمات اللوجيستية، من بين قطاعات أخرى. ومع ذلك، باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة، لا تزال عوائد الهيدروكربونات تمثل أكثر من نصف الإيرادات الحكومية لهذه البلدان، بل حتى في دولة الإمارات العربية المتحدة، تمثل عوائد النفط ما يقرب من 40% من إنفاق الحكومة الاتحادية.

ووفقا لـ”وود ماكينزي”، يمكن تحقيق حوالي 20% من خفض الانبعاثات اللازمة لتحقيق الصفر الصافي عالميا بحلول عام 2050 باستخدام تكنولوجيا احتجاز الكربون، ولكن هناك ثلاثة تحديات رئيسة لتنفيذ احتجاز الكربون، وهي ارتفاع التكاليف الرأسمالية الأولية، والمنافسة على الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، وغياب الوضوح في البيئات التنظيمية بشأن السياسات الخاصة بضرائب الكربون وتعديل حدود الكربون.

وتتباهى شركات النفط الوطنية في دول الخليج ببعض الحلول الأكثر توفيرا في مجال التكاليف على صعيد احتجاز الكربون وتخزينه، إذ تتراوح بين 15 و40 دولارا للطن المتري، مقارنة بالتكاليف في أوروبا التي تتراوح بين 40 و50 دولارا للطن المتري.

كما تمتلك دول الخليج كثيرا من خيارات التخزين الجيولوجي بالقرب من المواقع التي تتركز فيها الانبعاثات، وتشمل خزانات الغاز المستنفدة وطبقات المياه الجوفية المالحة التي توفر قدرة تخزين تقدر بـ170 غيغاطن. ويمكن لدول الخليج تحسين هذه المزايا بشكل أكبر من خلال بناء مرافق الهيدروجين الأزرق التي تعتمد على البنية التحتية لاحتجاز الكربون وتخزينه واستخدامه.

في عام 2015، احتفلت أرامكو السعودية بإطلاق أول منشأة واسعة النطاق لاحتجاز الكربون في المنطقة، تبلغ طاقتها الإنتاجية 0.8 مليون طن متري سنويا، وتبعتها أدنوك الإماراتية عام 2016 ببناء منشأة الريادة في أبوظبي، والتي تتماثل في مجال القدرة مع نظيرتها السعودية. وفي عام 2019، كشفت دولة قطر النقاب عن منشأة لاحتجاز الكربون بقدرة 2.1 مليون طن سنويا. كما لدى المنطقة 13 مشروعا آخر قيد التطوير، ومن المتوقع أن يبدأ العمل فيها في السنوات المقبلة.

وبالإضافة إلى هذه المشاريع المعلنة، تهدف المملكة العربية السعودية إلى زيادة قدرتها على احتجاز الكربون إلى 44 مليون طن سنويا بحلول عام 2035، وكذلك تهدف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى زيادة قدرتها على احتجاز الكربون إلى 10 ملايين طن سنويا بحلول عام 2030، كما وضعت دولة قطر هدفا لاحتجاز تسعة ملايين طن سنويا من ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2035، إضافة إلى إعلان كل من دولة الكويت وسلطنة عُمان عن طموحاتهما لتحقيق الصفر الصافي من الانبعاثات بحلول عام 2050، وذلك أيضا عبر استخدام تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه.

مع “ميثاق إزالة الكربون من النفط والغاز”، الذي أُطلِق في مؤتمر المناخ (كوب28)، وافقت البلدان أيضا على الاستثمار في تكنولوجيا احتجاز الكربون كأداة للوصول إلى أهداف الصفر الصافي. ويضم الميثاق حوالي 50 شركة نفط وغاز، تمثل حوالي 40% من إنتاج النفط العالمي، بما في ذلك أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية وشركة تنمية نفط عُمان.

بالنسبة إلى كثيرين، لا تتوافق استدامة صناعة الوقود الأحفوري مع تحقيق الأهداف المناخية. ومع ذلك، ترى دول الخليج أن هناك دورا للوقود الأحفوري “الأنظف” استنادا إلى النمو المستمر في الطلب على الهيدروكربونات، إلى جانب البيئة التنظيمية المتغيرة داخل تلك الأسواق الاستهلاكية.

بقلم: مقرن المطيري وكارين إي يونغ – مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا CGEP