الأمن المناخي العربي ومواجهة التحوّلات المناخية العالمية

Mar 10, 2024

الأحوال الجوية في الدول المغاربية، خاصّة في الصباح والمساء، تميل إلى أجواء فصل الشتاء، وهذا أمر طبيعي ما دمنا في الفصل نفسه أساسا، لكن الأمر مختلف مع الأحوال نفسها في فترة منتصف النهار والساعات الموالية، حيث قد يتوهّم الإنسان أنه في فصل الربيع، وأحيانا قد يتوهّم أنه في عزّ فصل الصيف، من فرط التقلّب الجليّ في درجات الحرارة.

هذه الواقعة مجرّد نموذج بسيط على معضلة عالمية عنوانها التحوّلات المناخية، وهي التحوّلات التي تقف وراء مرور العديد من العواصف والأعاصير في الدول الأوروبية خلال صيف 2023، أو تعرّض بعض دول الخليج العربي منذ سنوات لتساقطات ثلجية، مع أنّها مناطق شبه صحراوية، وتتميّز بندرة سقوط المياه، فكيف نتوقع سقوط الثلج!

أصبحت الدول العربية منخرطة أكثر فأكثر في التصدّي للتحديات البيئية، إذ احتضنت بعض دول المنطقة مؤتمرات دولية حول البيئة، وفي مقدمتها مؤتمرات (كوب) الخاصّة بمعضلة الاحتباس الحراري، الأول مع مؤتمر (كوب22) في مراكش، والثاني مؤتمر (كوب27) في شرم الشيخ، والثالث مؤتمر (كوب28) في دبي.

هذه مكاسب أولية، لكن ثمّة مجموعة من التحديات التي تواجه مجمل دول المنطقة بخصوص تبعات التحوّلات المناخية، إذ أن الأمر لا يهمّ الشق البيئي الصرف، وإنما يتقاطع بشكل مباشر مع السياسة والأمن والاستقرار، وبشهادة أهل المجال نفسه، والنموذج هنا ما تضمّنه العدد ما قبل الأخير لمجلة “الدبلوماسي” الفرنسية، وهي مجلة -حسب التعريف الذي تضعه في غلافها- متخصّصة في الشؤون الاستراتيجية والعلاقات الدولية، حيث كان ملف العدد حول “التحوّلات المناخية من منظور جيوسياسي”.

تضمّن الملف 31 مساهمة، منها 14 ورقة تحليلية، ومنها بالطبع التحديات الجيوسياسية المرتبطة بالتحوّلات المناخية في المنطقة العربية، ونزعم أن قراءة عناوين هذه الأوراق الخاصّة بالمنطقة تُوجز الشيء الكثير، ومن ذلك، “الشرق الأوسط: التحوّلات المناخية باعتبارها مغذّية للتوترات والصراعات”، “العراق: إشارة إنذار موجهة إلى العالم”، “سوريا: التحوّل المناخي، معضلة إضافية على واقع دولة مدمّرة”، “هل النظام الإيراني مهدّد بالتحوّل المناخي؟”.

الموضوع ليس بالهزل، ودخول صنّاع القرار في العالم بأسره على الخط يصبّ في هذا الاتجاه، ولا ضير من التذكير بأن المرشح الرئاسي السابق للانتخابات الأمريكية، آل غور، أصبح أحد رموز الدفاع عن البيئة مبتعدا عن العمل السياسي والحزبي، بل أصبح أحد أشهر السياسيين في العالم ممن يتنقلون بين القارات الخمس للتحذير من مخاطر الاحتباس الحراري، وجسّد ذلك من خلال عمله السينمائي التوثيقي “الحقيقة المزعجة” الفائز بعدّة جوائز تقديرية، بما فيها جائزة الأوسكار.

بقيت إشارة تهمّ الأقلام البحثية في المنطقة العربية، إذ نُعاين غيابا كليا تقريبا في الاشتغال على هذه القضايا، كأنها غير معنية بها، أو غير مستوعِبة لقلاقل الموضوع، إلا إن كانت تُطبّق من حيث لا تدري قاعدة “الناس أعداء ما جهلوا” بتعبير أبو حيان التوحيدي.

في يناير الماضي، نشر المفكر الفرنسي، باتريس مانيغليي، مقال رأي في صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، تحت عنوان: “عام 2024، أو السنة الأولى من الاحتباس الحراري؟”، معتبرا أن تعاملنا الجمعي إجمالا في الساحة العالمية يندرج في خانة “الإفلاس الكبير”، مقترحا أيضا بعض المفاتيح النظرية أقلّها ما اصطلح عليه بـ”الحل البسيط: الاعتراف بأننا في عام 2023 قد غيرنا العصر حقا، لأنه في 17 نوفمبر 2023، ولأول مرة، كان متوسط درجة الحرارة المسجّلة على سطح الكوكب أعلى بمقدار 2 درجة مئوية مما كان عليه في الماضي”، مضيفا أن “السؤال الكبير الآن: كم من الوقت سيستغرق حتى يُصبح هذا الحدث الاستثنائي هو القاعدة؟ هل سيكون الإنسان المعاصر قادرا على التصرّف في الوقت المناسب؟”.

شجاعة من المفكر الأوروبي أن يخوض في هذه القضايا بكل مسؤولية ورصانة، وهي الشجاعة التي نتمنى أن نُعاين مثيلا لها لدى الأقلام الفكرية العربية، إذ اتضح عمليا أن الأمر ليس تَرَفا فكريا.

بقلم: منتصر حمادة – عروبة 22