مخاوف الجفاف تتصاعد… اعتداءات عشوائية على أشجار وغابات الأردن

Feb 28, 2024

مع تزايد التخوّف من أن يأكل الجفاف باقي المساحات الخضراء في الأردن، يدق خبراء في البيئة ناقوس الخطر حول التحطيب الجائر لغابات الأردن وأشجاره.

داخل أحد منازل منطقة ناعور، جنوب غربي العاصمة الأردنية عمان، يجلس أحمد أبوعالول أمام مدفأة الحطب التي اشتراها مؤخرا، ممسكا هاتفه النقال ويقلّب إعلانات بيع الحطب على تطبيق “السوق المفتوح”، قائلا إنه قرر هذا الشتاء الاعتماد على مدفأة حطب مستعملة اشتراها بنحو 200 دينار (282 دولارا) بدلا من مدافئ الكاز والغاز، لأنها أقل كلفة وأكثر دفئا.

أشجار الأردن… حطب للتدفئة

وأضاف أبوعالول أن سعر طن الحطب يتراوح بين 100 و120 دينارا، ويكفيه لموسم الشتاء كاملا، في حين أنه كان يحتاج إلى أربع أسطوانات غاز في الشهر بسعر سبعة دنانير للواحدة، إضافة إلى أربعة غالونات من الكاز بسعر 15 دينارا للغالون الواحد.

وبينما يطمئن أبوعالول إلى تصريف العوادم الملوثة الناجمة عن حرق الأخشاب عبر أنابيب تمتد لخارج المنزل حتى لا تؤثر على صحة سكانه، فإن مصدر جلب هذه الأخشاب وتأثيرها على البيئة والغابات الحرجية في الأردن لا يجد لديه ذات الاهتمام، قائلا “لا تزر وازرة وزر أخرى… أنا لا أعرف مصدر الحطب ولا أسأل البائع لأن المهم هو أن أشتري لأدفئ بيتي”.

أبوعالول واحد من بين العديد من الأردنيين الذين يلجأون للحطب بدلا من وسائل التدفئة الأخرى، في الوقت الذي تعاني فيه الأردن من اعتداءات غير قانونية على الأشجار والغابات، والتي تهدد التنوع الحيوي.

ومع تزايد التخوّف من أن يزحف التصحر إلى ما تبقى من المساحات الخضراء في الأردن، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتراجع المعدل المطري، يدق خبراء في البيئة ناقوس الخطر لمنع تلك الاعتداءات.

وحذّر مدير وحدة الطبيعة في وزارة البيئة، بلال قطيشات، من أن أحد أبرز الأنشطة المهددة للغابات في الأردن هو تجارة الحطب غير المرخصة، حتى مع تراجع الاعتداءات بنسبة كبيرة بعد التعليمات التي أصدرتها وزارة الزراعة بعدم بيع الحطب خارج المحافظة.

كما أشار قطيشات أيضا إلى أن ثمة تهديدا آخر يتمثل في حرائق الغابات، سواء المفتعلة أو الطبيعية، لا سيما في محافظات الشمال لكثرة الغابات فيها من السنديان والبلوط، موضحا أن تراكم النفايات نتيجة التنزه العشوائي تساهم بشكل كبير في تلك الحرائق، خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة.

وقال إن الاعتداءات المتكررة والأنشطة الجائرة التي تؤدي لفقد الغطاء النباتي وتدهور الموائل الطبيعية هي الخطر الأكبر برأيه، وينتج عنه التصحر والتهديد بانقراض عدد من الكائنات الحية، بخلاف تغير نسب الأمطار وزيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون وانجراف التربة.

وتشكل المناطق الصحراوية وشبه الجافة نسبة 80% من مساحة الأردن البالغة نحو 89 ألف كيلومتر مربع.

الحد من التنوع الحيوي للنباتات والحيوانات

من جانبه، يرى إيهاب عيد، الخبير المتخصص في التنوع الحيوي، أن الأسباب المرتبطة بالاعتداء على المساحات الحرجية متعددة، فإمّا للحصول على مصدر للتدفئة، أو للاتجار بالأخشاب، أو خلق مساحات فارغة لأعمال البنية التحتية للمنازل أو للاستثمارات.

وقال عيد إن خطر هذه الاعتداءات متنوع أيضا، ففي ظل أن مساحة الغابات الطبيعية تشكل أقل من 0.5% من مساحة الأردن، فإن أي اعتداء بغض النظر عن المساحة التي تسبب بها سيؤثر سلبا على مساحة الغابات في الأردن.

وتشمل المساحات الشجرية في الأردن منطقة اليرموك في محافظة إربد في الشمال، حيث غابات البلوط متساقط الأوراق أو الملول، وهي الشجرة الوطنية للأردن، أما في عجلون وجرش فتوجد غابات البلوط دائم الخضرة، وهناك غابات دبين في جرش التي تتميز بأشجار الصنوبر الحلبي الذي يمتزج مع أشجار البلوط والقيقب، وفي الطفيلة والشوبك توجد أشجار العرعر وأشجار الطلح، حيث تمتد الأخيرة حتى محافظة العقبة جنوبي الأردن.

وأضاف عيد أن من أخطر التأثيرات السلبية للاعتداءات على الغابات هو الحد من التنوع الحيوي للنباتات والحيوانات، فمثلا يرتبط السنجاب الفارسي والدلق الصخري، وهو حيوان من فصيلة العرسيات، وعدد آخر من الأنواع الحيوانية بالغابات، بينما ترتبط أعداد من نباتات الأوركيد بالنظام الغابوي.

كما بيّن أنه لا يقتصر الأمر عند التنوع الحيوي، إذ يؤثر الاعتداء على الغابات في خدمات الأنظمة البيئية كونها تُعد ملاذا للمتنزهين والسياح، ودونها لن تتوفر بيئة مناسبة للاصطياف والاستجمام والتمتع بالطبيعة، لافتا إلى أن العديد من المشاريع الاستثمارية تستهدف المناطق الغابوية لما توفره من مناخ معتدل وطبيعة خلابة، ومحذرا من أن اختفاء الغابات سيكون له التأثير السلبي على الاقتصاد المجتمعي.

وأوضح عيد أهمية دور الغابات في تثبيت التربة، ما يمنع الانجرافات، الأمر الذي يُخفّف من الكلفة المالية الضخمة على البلديات التي ستضطر في حال عدم وجود الغابات إلى تنظيف آثار الفيضانات للتخلص من الرسوبيات وغيرها.

وقال إنه يجب ألا ننسى أن الغابات تمتص المياه، ما يُسهم في زيادة المخزون المائي في الخزانات الجوفية التي تعاني بشكل كبير من تراجع منسوبها ومستوياتها في دولة تقع ضمن أكثر الدول فقرا بالمخزون المائي، مشيرا إلى أن ثمّة أثرا آخر للاعتداءات، يتمثل في زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما يتسبب في تفاقم ظاهرة الاحترار المناخي.

إدارة الغابات… ضعف مؤسسي ومالي

بدوره، يرى عمر الشوشان، رئيس اتحاد الجمعيات البيئية في الأردن، أن إدارة الغابات حاليا تمر بحالة ضعف مؤسسي ومالي، مطالبا بضرورة التنسيق بين الجهات المعنية في حماية الثروة الحرجية.

وقال إنه تم العمل على إعداد سياسات وتشريعات متقدمة، لكن لم يتم الأخذ بها من قبل الحكومة بالرغم من الحاجة الماسّة لتطوير القطاع بالشراكة مع جهات دولية مختصة.

وحذر الشوشان من عدم القدرة على وقف الاعتداءات في ظل إمكانات هشة لا ترقى لمن يحمل صفة الضبط العدلية، وهو ما يتطلب جهدا أمنيا استخباريا من الجهات المختصة، وملاحقة الجناة قضائيا.

واقترح أن يتم إجراء تحول جوهري في إدارة قطاع الأحراج بحيث يكون هناك دور مؤسسي للمجتمع المحلي في حماية الغابات، وتوظيف أفضل التقنيات الفنية والخبرات المؤهلة، وبناء شراكات دولية للاستفادة من الصناديق التمويلية.

كما دعا الشوشان إلى إعداد نصوص تشريعية رادعة تُجرّم أي اعتداء على الثروة الحرجية بكافة أشكالها، مع ضرورة فتح المجال للتعاون البحثي مع الجامعات ومراكز البحوث العلمية والأكاديمية لتعزيز الإدارة الفنية لقطاع الغابات، والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص في زيادة وصيانة الثروة الحرجية.

المصدر: رويترز