علم المناخ ومخاطر التضليل

Feb 21, 2024

العالم يزداد احترارا، فالجليد القطبي يذوب، والأنهار الجليدية تنحسر، وكيمياء المحيطات أصبحت حمضية بشكل خطير، ومستويات سطح البحر آخذة في الارتفاع. كل هذا وأكثر هو نتيجة للغازات الدفيئة التي نستمر في إطلاقها في الغلاف الجوي، حيث تحبس وتشع الحرارة التي قد تتسرب إلى الفضاء. تلك حقائق وليست افتراضات.

ومع ذلك، فإن العلماء الذين يبحثون في تداعيات هذه الحقيقة المزعجة، التي تأكدت منذ أكثر من 100 عام، ما زالوا يواجهون هجمات تهدد أبحاثهم وسمعتهم وسبل عيشهم.

أحد هؤلاء العلماء هو الدكتور مايكل مان، الذي وجد نفسه، قبل اثني عشر عاما، متهما بالاحتيال البحثي بسبب عمله الذي يوثق الارتفاع السريع في درجة حرارة الأرض منذ أوائل القرن العشرين، حيث قام باحث مساعد آنذاك في معهد المشاريع التنافسية، والذي قال إنه “يشكك في إثارة القلق بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري”، بتشبيه الدكتور مان بمرتكب جرائم فاضحة.

وكتب “بدلا من التحرش بالأشخاص، قام بالتحرش بالبيانات وتعذيبها في خدمة العلم المسيّس”، ثم أعاد كاتب آخر نشر أجزاء من هذا المنشور على مدونة نشرتها مجلة ناشيونال ريفيو، وأضاف أن الدكتور مان كان وراء رسم “عصا الهوكي” المخادع لتغير المناخ. وفي الأسبوع الماضي، وبعد رحلة دامت عقدا من الزمان في أروقة المحاكم، وجدت هيئة محلفين في واشنطن العاصمة أن كلا الكاتبين مسؤولان عن التشهير.

نأمل أن يبعث هذا برسالة أوسع نطاقا، مفادها أن الهجمات التشهيرية على العلماء تتجاوز حدود حرية التعبير المحمية ولها عواقب. هذه الحالة هي جزء من حرب ثقافية أكبر يتم فيها تشويه الأبحاث وإخفاء الحقيقة حول التهديد المناخي. لقد أصبح الهجوم على علوم المناخ أوسع وأكثر تعقيدا، حيث حذرت راشيل تومسون، محامية صندوق الدفاع القانوني لعلوم المناخ، الذي دعم الدكتور مان في قضيته، من استمرار المضايقة والترهيب و”إساءة استخدام النظام القانوني لتهديد قدرة علماء المناخ على إجراء الأبحاث بحرية ومشاركتها بشكل علني مع الجمهور”.

وفي سياق هذه الحرب الأوسع على العلم، قد يكون لانتصارنا الأخير آثار أوسع. لقد وضع حداً للتجاوز. ويعرف العلماء الآن أن بإمكانهم الرد على الهجمات من خلال رفع دعوى قضائية بتهمة التشهير، إذ يمكن للعالِم الذي تم التشهير به أن ينشر آلاف المقالات الخاضعة لمراجعة النظراء في محاولة لتبرئة اسمه، ولكن عندما يوحّد العلماء والمحامون جهودهم، يصبح من الممكن هزيمة المعلومات المضللة بسهولة أكبر.

الأمر المحبط هو أن الأمر استغرق أكثر من عقد من الزمان وساعات لا حصر لها من قبل فريق من المحامين للفوز بحكم هيئة المحلفين في قضيتنا عندما صدر الحكم بشأن الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن النشاط البشري منذ عقود من الزمن.

قبل ما يقرب من ستين عاما، حذر العالم ليندون جونسون من أن استمرار حرق الوقود الأحفوري من شأنه أن يسبب ارتفاعا لا رجعة فيه في درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض، مع العواقب التي نشهدها اليوم. وكانت تركيزات ثاني أكسيد الكربون آنذاك تبلغ 320 جزءا في المليون في الغلاف الجوي، مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة التي تبلغ حوالي 280 جزءا في المليون. وبعد ثلاثة عقود، ومع وصول نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى 370 جزءا في المليون، نشر الدكتور مان، الذي كان آنذاك باحثا حاصلا على درجة الدكتوراه، واثنان من علماء المناخ المخضرمين، ريموند برادلي ومالكولم هيوز، النسخة الأولى من الرسم البياني الذي يشبه عصا الهوكي المقلوبة.

كان مقبض العصا يرسم درجات الحرارة الثابتة نسبيا في عصور ما قبل الصناعة، في حين أظهر النصل المقلوب ارتفاعا سريعا في درجة الحرارة بدأ مع الثورة الصناعية. ولتجميع الرسم البياني، استخدموا أرشيفات درجات الحرارة الطبيعية مثل حلقات الأشجار والشعاب المرجانية والرواسب والجليد لتقدير درجات الحرارة العالمية في الوقت المناسب. وسرعان ما أصبح الرسم البياني لعصا الهوكي “الرسم البياني الأكثر إثارة للجدل في العلوم”، بحسب ما وصفه به مقال نشرته مجلة ذي أتلانتك عام 2013.

كتب المؤلف كريس موني “لقد ألقى منكرو المناخ كل ما لديهم على عصا الهوكي”، وأشار إلى أنهم فشلوا في دحض ذلك، لكنهم “بالتأكيد زرعوا الكثير من الشك في أذهان الجمهور”. ومع ذلك، فإن آلية التضليل، التي تشنها جزئيا صناعة الوقود الأحفوري، لا تزال تثير الشكوك وتحوّل الانتباه وتؤخّر العمل. وبالفعل، قال أحد المتهمين أمام المحكمة إنه متمسك “بكل كلمة كتبتها عن مايكل مان وعصا الهوكي الاحتيالية الخاصة به”.

حتى الأسبوع الماضي، وصلت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى 424.20 جزءا في المليون، وهي مستويات لم نشهدها منذ ثلاثة ملايين عام على الأقل، عندما كانت الأرض أكثر دفئا وكانت مستويات البحار أعلى بكثير. إن حلول الطاقة النظيفة متاحة بسهولة، ولكن التحرك الجاد في الولايات المتحدة، وهي واحدة من أكبر الدول المصدرة للانبعاثات الكربونية على مستوى العالم، أصبح عُرضة لخطر العرقلة أو الإبطاء إذا لم يتقبل قسم كبير من الناخبين الحقائق العلمية الأساسية ويفهموا العواقب المترتبة عليها. وينبغي للناخبين أن يضعوا ذلك في الاعتبار عندما يذهبون إلى صناديق الاقتراع في وقت لاحق من هذا العام. ومع استمرار تعرض علم المناخ للهجوم وزيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فإن الوقت ينفد منا.

بقلم: مايكل مان وبيتر فونتين، ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» – الاتحاد