كيف يهدّد البشر والتغير المناخي الكائنات المهاجرة؟
هجرة الكائنات واحدة من أكبر الظواهر الطبيعية إثارة للاهتمام، إذ يمكن لها أن تهاجر لأكثر من 20 آلاف كيلومتر في موسم واحد. لكن هذه الظاهرة البديعة مهددة بسبب التزايد العمراني والتغير المناخي.
تقوم الطيور برحلات مدهشة عبر الكوكب، بهدف تجنب فصول الشتاء الباردة، وكذلك لأجل البحث عن طعام ومأوى وفير. مثلاً كل عام، يطير اللقلق الأبيض أكثر من 10 آلاف كيلومتر جنوباً خلال فصل الشتاء، ليعود في رحلة العودة في الوقت المناسب لأجل اللحاق بالربيع.
بعض الطيور، مثل بعض أنواع الأوز، تطير عاليا فوق سلسلة جبال الهيمالايا خلال هجراتها، بينما تسافر الخرشنة القطبية من قطب إلى قطب بحثاً عن صيف لا تريده أن ينتهي.
سابقاً، مثّل اختفاء الطيور خلال فصل الشتاء لغزاً كبيراً بالنسبة للأوروبيين لعدة قرون. البعض اعتقد أنها تمارس سباتاً عميقاً في الماء، فيما ذهب البعض بعيدا إلى حد الاعتقاد بأنها تتحول إلى أنواع أخرى، أو حتى تذهب إلى القمر.
لكن بحلول القرن التاسع عشر، بدأت تظهر الأدلة على هجرات مدهشة. ففي عام 1822، أسقط صيادون ألمان طائر لقلق أبيض، كانت عصا خشبية أفريقية بطول 75 سنتيمتر مغروسة في عنقه، ما اعتبر دليلاً على أنه قد سافر بين القارات. ولا تزال بقايا هذا اللقاق تعرض حالياً في جامعة روستوك في ألمانيا.
لكن ليست الطيور فقط، فأنواع من الأسماك والثدييات والحشرات والزواحف كلها تقوم برحلات طويلة المسافات. مثال ذلك، يمكن لأسماك ثعابين البحر الأوروبية (الأنقليس) أن تسافر حوالي 10 آلاف كم على مدار عامين للوصول إلى أماكن التكاثر الخاصة بها بالقرب من جزر البهاماس.
كما تقضي الحيتان الرمادية الصيف في شمال المحيط الهادئ البارد قبل التوجه إلى سواحل كاليفورنيا والمكسيك. وقطعان تضم أكثر من مليون من حيوان النو تهاجر مئات الكيلومترات خلال موسم الجفاف بحثًا عن الماء في منطقة سيرينغيتي في كينيا وتنزانيا.
كيف يتم تهديدها؟
حوالي نصف الأنواع المدرجة في اتفاقية الحفاظ على الأنواع المهاجرة، الموقعة في بون والمعروفة اختصاراً بـ”CMS”، تعاني من انخفاض في أعدادها، و22% مهددة بالانقراض، بل إن جميع أنواع الأسماك المدرجة في الاتفاقية مهددة بهذا الخطر.
وسبب ذلك، أن الأنواع المهاجرة من الكائنات تسافر مسافات طويلة، ما يتحتم عليها البحث عن طرق لتجاوز العوائق التي صنعها البشر، وكذلك تجاوز المخاطر الأخرى، مثل الصيد والتلوث الضوئي والمباني الشاهقة. فالصيادون في البحر المتوسط يقتلون عشرات الملايين من الطيور المهاجرة سنويا، وما يصل إلى مليار طائر يموت سنوياً بسبب الاصطدام بالمباني.
كما تتعرض الحيوانات المائية أيضاً للخطر بسبب التلوث والصيد، في حين تواجه الحيوانات البرية حواجز مادية مثل الطرق والأسوار. الأسوار الزراعية تسبب في تدمير طرق هجرة بعض حيوانات النّو بشكل تام.
اثنان من أكبر التهديدات للأنواع المهاجرة هما الاستغلال الزائد، بما في ذلك الصيد غير المستدام والصيد الجائر، وفقدان المساكن بسبب التوسع البشري في المزارع والمدن والبُنى التحتية الأخرى.
وبينما تسافر الحيوانات يجب عليها أن تعيد تزويد نفسها بالطاقة وأن تستريح من حين لآخر، لكن التدهور الكبير في المناطق الطبيعية يساهم في تجويع هذه الحيوانات، كما يؤدي تغير المناخ أيضاً إلى اضطراب الأنماط الجوية التي تخبر الحيوانات بموعد البدء في هجراتها.
كيف يمكن منع الخطر؟
تساعد اتفاقية بون، التي وُقعت عام 1979، الدول على تنسيق الجهود لحماية الأنواع المهاجرة في مناطقها، حيث تجتمع الأطراف كل سنتين أو ثلاث سنوات لمراقبة مدى التقدم ووضع خطط جديدة.
بفضل الاتفاقية، تواجه حيوانات مثل ظباء السيغا في آسيا الوسطى خسارة أقل في المَواطن وكذلك خطراً أقل في الصيد الجائر. كما تمكنت عدد من أنواع أسماك القرش المهاجرة من العثور على ملاذات آمنة في المناطق البحرية المحمية، كما قلّت معدلات صيد طيور القطرس.
لكن التغير المناخي وفقدان المواطن ما زالا يهددان الأنواع المهاجرة. تقول جماعات الحفاظ على البيئة إنه يجب القيام بالمزيد لحماية هذه المجموعة المهمة من الكائنات، بما في ذلك الحفاظ على مناطق عيشها وإزالة الحواجز على طول الممرات المهاجرة.
وللعلم؛ تؤدي هذه الكائنات المهاجرة أدواراً حيوية في النظام البيئي مثل تلقيح النباتات، ونشر البذور، ودعم شبكة الغذاء.
المصدر: دي دبليو عربية