التغير المناخي يهدد طرق التجارة العالمية

Jan 29, 2024

بعثت طرق تجارية جديدة الأمل والتفاؤل لدى شركات الشحن التجاري العالمية، لكن ذلك لم يلبث طويلًا، فقد منيت تلك الشركات بانتكاسة جديدة بسبب تأثير التغير المناخي على بعض تلك الطرق، لا سيما قناة بنما.

وتسببت موجة الجفاف التي ضربت بنما في انخفاض مستويات المياه، ما أعاق حركة المرور في قناة بنما، التي تتعامل مع نحو 5% من التجارة البحرية العالمية، بما في ذلك ما يقرب من نصف الحاويات التي يتم شحنها من موانئ شمال شرق آسيا إلى شرق الولايات المتحدة.

وكان قد انخفض منسوب المياه في بحيرة غاتون التي تحتوي على إمدادات المياه اللازمة لتشغيل أنظمة قفل أو إغلاق القناة، وذلك نتيجة لموسم الجفاف الطويل وانخفاض معدلات هطول الأمطار عن المعتاد، ما أدى إلى حدوث اضطرابات في سلاسل الشحن والتوريد.

وتسعى الحكومة البنمية جاهدة إلى هندسة إصلاح وإنقاذ القناة، التي ترفد خزينة الدولة بإيرادات تزيد قيمتها على 3.3 مليار دولار، ما يجعلها مساهما رئيسيا في الاقتصاد الوطني.

وفي ظلّ استمرار حالة الجفاف؛ تبرز تساؤلات حول إمكانية تصميم حلول طويلة الأمد في مواجهة التغيرات المناخية الحتمية، إذ لوحظت تحديات مماثلة لهذه المشكلة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك حالات الجفاف التي تؤثر على طرق الشحن النهرية في غابات الأمازون المطيرة، ونهر الراين في أوروبا، فضلًا عن حالات الجفاف التاريخية التي تؤثر على نهر المسيسيبي في الولايات المتحدة.

وقالت صحيفة “واشنطن بوست” إن نقطة ضعف قناة بنما تكمن في اعتمادها الكبير على المياه العذبة لتشغيل أقفالها، وبالتالي فقدان الكثير من هذه المياه في البحر في نهاية المطاف، مضيفة “أما التدابير القصيرة الأجل، مثل ضخ المياه من بحيرة “ألاخويلا”، فقد توفر حلولًا مؤقتة، لكنها غير كافية لمعالجة المشكلة الأساسية، ما دفع الحكومة إلى البحث عن حلول جذرية أكثر، بما في ذلك بناء السدود على الأنهار، واستمطار السحب لتأمين إمدادات المياه المستدامة للقناة”.

كما أوضحت الصحيفة أن هذه التحديات تمتد إلى ما هو أبعد من بنما، مع ما يترتب على ذلك من آثار على التجارة والاقتصاد العالميين، وأن ذلك يأتي بينما تسهم الشكوك المحيطة بمستقبل القناة في زيادة التوترات الجيوسياسية القائمة أصلًا، ما يؤدي إلى تفاقم المخاوف بشأن استقرار سلاسل التوريد العالمية.

ومن غير المؤكد أن تتمكن بنما من التوصل إلى حل للأزمة في ظل التحديات الأخرى، بما في ذلك القوانين الحمائية الجديدة التي تنتهجها الولايات المتحدة، وتوتراتها المتزايدة مع الصين، فضلًا عن هجمات الحوثيين التي تعيق التجارة عبر قناة السويس.

وبيّنت “واشنطن بوست” أن تأثير التغير المناخي على التجارة العالمية يُعد مصدر قلق اقتصادي، وله آثار إنسانية أيضًا، موضحة أن انعدام الأمن الغذائي الناجم عن الجفاف، وتشريد ملايين البشر في مناطق بالعالم، مثل القرن الأفريقي، يبرزان بوضوح التكلفة البشرية والإنسانية للتدهور البيئي المرتبط بتغير المناخ، ما يجعل من معالجة الأسباب الجذرية لتغير المناخ أمرًا بالغ الأهمية، ليس فقط من ناحية الحد من تأثيره على التجارة العالمية، ولكن أيضًا لمعالجة التحديات الإنسانية الأوسع نطاقًا.

وبعيدًا عن الإصلاحات الهندسية، ينبغي أن تتضافر الجهود للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وحماية استقرار طرق التجارة العالمية، ومعالجة التحديات الإنسانية الأوسع التي يفرضها تغير المناخ، إذ أن الجفاف الذي أصاب قناة بنما كان بمثابة تذكير صارخ بالعواقب البعيدة المدى التي يخلفها تغير المناخ على التجارة العالمية، ما يؤكد الحاجة الملحة إلى العمل الجماعي لمعالجة هذا التهديد الوجودي.

المصدر: واشنطن بوست